رواية الاحتلال تأليف آنو إرنو .. بدون أدنى شك، تبدو آني إرنو اليوم، واحدة من أكثر الروائيات الفرنسيات حضورا وأكثرهن شهرة على الساحة الأدبية الفرنسية المعاصرة، فكل كتاب من كتبها، لا بدّ وأن يسيل الكثير من الحبر والمتابعات الصحافية والنقد. ربما يعود ذلك إلى موضوعاتها التي تتقاطع مع سيرتها الذاتية. هذه السيرة التي بدأت عام 1940 في مدينة «ليلبون» (السين ـ ماريتيم)، حيث نشأت في كنف عائلة متواضعة، في «إيفتو» (منطقة النورماندي). جاء موت شقيقتها البكر بمرض «الدفتيريا» (الذباح أو الخانوق) ـ قبل مولدها ـ ليسم حياتها اللاحقة. وبعد أن تابعت دراستها في الآداب المعاصرة، درّست اللغة الفرنسية، وتزوجت عام 1964 من رجل ينتمي إلى البورجوازية الصغيرة. صدرت روايتها الأولى «الخزائن الفارغة» عام 1974 واستمرت في التدريس حتى عام .1977 وحين انفصلت عن زوجها عام 1980 كانت قد أنجبت طفلين. عام 1984 نشرت رواية «الساحة»، كتاب سردي صغير استدعت فيه صعودها الاجتماعي الذي جعلها تبتعد عن أهلها. جاء كتاب «الساحة» ليشكل العمل ـ المفتاح، لما عرف في ما بعد باسم تيّار «التخييل الذاتي»، وقد ترجم إلى العديد من لغات العالم، وليحز على جائزة «رونودو». بدءا من ذلك الكتاب، بدأت كتابة إرنو «المينيمالية» تتركز عبر سبر أغوار الحميمي ، أكان ذلك عبر شكل الرواية «الأوتوبيوغرافية» (السيرة الذاتية) أو عبر شكل «اليوميات»، إذ تخلت عن كتابة القصة المتخيلة التقليدية، لتركز على تلك «الرواية» المستمدة «أحداثها» من سيرتها، حيث تتقاطع فيها التجربة التاريخية مع التجربة الفردية. من هنا أصبحنا نجد أن كلّ رواية من روايات الكاتبة الفرنسية آني إرنو، تدور حول «تيمة» معينة. ففي كتاب «امرأة»، (ترجمته إلى العربية الشاعرة المصرية هدى حسين، مثلما ترجمت لإرنو العديد من الكتب الأخرى)، تتحدث الكاتبة عن أمها، وعن الانتظار العاشق في كتاب «شغف بسيط» وعن الإجهاض في كتاب «الحدث»، الخ... عبر لغة خالية من تزيين أسلوبي.
في روايتها هذه «الاحتلال»، نجد موضوعة «الغيرة»، التي تنسج حولها قصة جميلة. ذات يوم، تعلم الراوية بأن عشيقها السابق ـ الذي كانت قد غادرته هي، رافضة أن تستمر في العيش معه، بعد أن طردته من حياتها، لأنها ترفض بشكل مطلق الحياة التقليدية بين زوجين وبخاصة أن زواجها الذي دام لمدة 18 سنة كان أشبه بسجن، وهي تتمتع اليوم بحريتها القصوى ـ قد اتخذ لنفسه صديقة جديدة. من هذا الخبر، تتولد عندها، غيرة قاتلة، تجتاح كل شيء، لدرجة أن الراوية لم تعد تحتمل هذا الألم الفظيع، الذي يلفها ولا يدعها تفكر بأي شيء آخر، لغاية إعلانها بأنها أصبحت «محتلة» من قبل منافستها وغريمتها التي تؤرقها طيلة لحظات نهارها (وربما ليلها أيضا). ومن هذا الأرق، تكتب إرنو «موتيفات» الهوس والفقدان وعذاب العشق.