رواية الشيطان يحكي بقلم أحمد خالد مصطفى .. ليس مهما أن أرحب بكم .. وليس ضروريا أن تستقبلوني بترحاب .. دعونا نتفق على ما سيحدث .. أنا هنا لأكتب .. وأنتم هنا للقراءة .. ليس من الضروري أن يعجبكم ما سأقول .. وليس عليَّ أن أصدع رأسي بتحملكم .. لذا لنبتعد عن المجاملات .. أنا شيخ متعصب من النوع الذي لا يروق لأحد .. وأنتم مجموعة شباب فضوليين من النوع الذي لا يروق لي .. هكذا نكون قد ابتعدنا عن الرسميات البغيضة التي يصر البشر على استخدامها فيما بينهم .
سأتيح لكم الفرصة لمعرفة أكثر .. لكن ليس مني لأنني مصاب بداء الملل السريع .. ستسمعون كل شيء منهم .. بألسنتهم .. هم يعرفون كل شيء .. لأنهم رأوه رأي العين .. لا تسألوني من أنا .. تذكروا أنكم هنا لتسمعوا .. لا لتسألوا .. وإن لم يعجبكم ما سمعتموه فاذهبوا وفجروا رؤوسكم .. لن يحدث فارقا عندي .. تماما كما أنه لو انتزعت روحي مني فلن يحدث فارقا لديكم .. هكذا اتفقنا.
شارك الكتاب مع اصدقائك
2023-06-28
2023-10-01
** بالرغم من أنها تبدو ظاهرياً على نفس شاكلة "أنتيخريستوس" و أخَواتها إلا أنها مختلفة كلياً عن كل ما سَبقَ كتابته حيث يتبين لنا فيها الآتي :
١- تطور الكاتب الملحوظ فى كِتاباته و اختياراته و ابتعاده عن المناطق المثيرة للجدل العلمي و العقائدي على عكس كتابه "أنتيخريستوس٢ "مثلاً.
٢- حاول الكاتب عمل مصالحة بين العلم المادي و بين عالم الماورائيات عن طريق الغَوْص فى هذا العالم و الخروج منه بحكايات مثيرة متنوعة فى كل فروع هذا العالَم و الوقوف عليها و إخضاعها للمُسَائلة العلمية.
٣- لم يلجأ الكاتب كعادته لنظرية "المؤامرة الكبرى" و التى كانت تزين كتاباته سابقاً و لا سِيَّما فى "أنتيخريستوس".
٤- على عكس "أنتيخريستوس" لم يَعُدْ الكاتب للماضي السحيق بل كانت حكاياته لم تتَعَدّ القرن الماضي مع الاحتفاظ بنفس مستوى جموح خياله.
**** الكاتب أراد هنا مَزْج العلم بالتاريخ بعالم ما وراء الطبيعة فى نسيج روائي أدبي يتمتع بمكونات الرواية من حبكة قوية و نهاية غامضة و منحنيات درامية تتسم بالذكاء الأدبي و حوار مُصَاغ بنُضْج لغوي و لذا كان لِزاماً أن يكون لهذا العمل مراجعة أدبية و أخرى علمية.
أولاً :المراجعة الأدبية :
* العنوان :
- "الشيطان يحكي" عنوان مثير مُشوق يستحضر إلى ذهن القارئ السبع شياطين فى "أنتيخريستوس" و لكنه ضعيف و فيه _فى رأيي _ بعض الاستسهال الغير مألوف من كاتبنا بسبب :
١- ليس كل من تكلم كان شيطاناً فهناك أميرة "الاويجور" مثلاً.
٢-كان يلزم تغيير الراوي الرئيسي و استبداله بشارلوتان و ليس "خالد موسى" الشيخ المصري.
* اللغة :
- كانت العربية الفصحى الهادئة الملائمة للعصر الحديث هى سِمة الرواية فأحسنَ توظيفها لرسم مسارح الأحداث العديدة و الشخصيات الموجودة بها و خرجت تلك الصور سَلسَة غير معقدة.
* الشخصيات :
- أجَادَ الكاتب رسم معظم الشخصيات فى ذهن القارئ (فيما عدا حكاية مهرجي السيرك).
- أَبدعَ الكاتب فى اللعب على أوتار العاطفة فى التعامل مع الشخصيات سواء بالتعاطف مثل "أميرة الاويجور" أو بالتقزز مثل "آكلي لحوم البشر" و لكن تجلى الإبداع فى التعامل مع شخصية "شارلوتان" بنقل القارئ من مَقتِه إلى احترامه.
- أهم الشخصيات :
١- شارلوتان :
- هذه الشخصية كانت سر تميز الرواية لما يلي :
أ- لجَأَ الكاتب له كضيف شَرف فى كل حكاية ليكون الرابِط و العامل المُشترَك بين كل الحكايات.
ب-كان "شارلوتان" أحد أدوات الغموض بالرواية سواء بلوحته فى البداية و مروراً بمعنى اسمه و انتهاءًا بكشف النقاب عنه فى النهاية.
ج- مَرَّرَ الكاتب حُكمَه من خلال هذه الشخصية على معظم القصص فكان الرفض القاطع من نصيب البعض (و إن كنت أختلف معه فى بعضها)؛ وتركَ للقارئ الحكم فى البعض الآخر فى إشارة منه أنه ربما يكون صحيحاً و لكن لا يستطيع العلم إثباته.
٢-خالد موسى:
- الشيخ المصري و الراوي للرواية ككل و إن كنت متحفظاً على استخدام شيخ كراوي "للشيطان يحكي".
* الحبكة :
- على عكس "أنتيخريستوس" اهتم الكاتب هنا بعمل الحبكة ليستوفِيَ أركان الرواية فكانت أشبه بمسلسل من (١٤) حلقة منفصلة كقصص و لكلِّ منهم حبكته الخاصة و التى تتباين من حيث الجودة من متوسط إلى ممتاز و لكنها متصلة ببعضها بحبكة رئيسية قوية.
* السرد :
- السرد ممتاز مُشَوِّق بحيث يجعلك تنهي الحكاية فى جلسة واحدة.
- تجنباً للملل نَوَّعَ الكاتب من أساليب سرده رغم أنها تتشابه ظاهرياً فى أنها تعتمد على لسان الراوي الذى يتم تحديده؛ لكن جاء التنوع فى طريقة السرد فتارةً يكون السرد على خطين زمانيين؛ و تارةً يكون بلسان شَاهِدَين لرؤية الأحداث من زاويتين مختلفين؛ و تارةً يكون بنظام التقرير الخبري.
- اهتم الكاتب فى نهاية كل فصل بالحُكم على تلك الحكاية من خلال إقامة حوار مجتمعي شَيِّق و عميق و مفيد بين الدين متمثلاً فى الشيخ السني و الصوفي؛ والعلم من خلال "شارلوتان".
- الرسومات بسيطة و غير متكلفة حيث خلت من الرمزية إلا أنها كانت موضحة لمشاهد عديدة.
ثانياً :المراجعة العلمية :
١- تَبايَنَ رأْي الكاتب (مُمَثَّلاً فى بطله "شارلوتان") حول تلك الحكايات ما بين مؤيد لها مثل "الاويجور"؛ و معارض بوضوح كالسفر عبر الزمن؛ أو معارض على استحياء كالحسد؛ أو تاركاً الحكم للقارئ كالإسقاط النجمي.
٢- وهمية بعض الحكايات لا تنفي صحة النظرية كلياً مثل:
أ-عدم وجود كائنات فضائية لا يعنى عدم وجود تجارب سرية فى المنطقة (٥١).
ب- عدم إثبات رحلات جوف الأرض لا تعنى بُطلان تلك النظرية.
ج- وجود الدجل فى التعامل مع الحالات النفسية لا يُنكر وجود حالات تَلَبُّس بالجن.
٣- أكثر نقطة جدلية فى الكتاب هى رفض الكاتب قطعياً وجود التلبس أو المس بالجن... وهو ما أختلف معه لما يلي :
أ- حالات الانفصام فى الشخصية لا تؤدي إلى خوارق مثل تغيير الصوت الأنثوي إلى الصوت الأجش الخشن أو القوة المُفرِطة التى لا تتناسب مع القدرة المتاحة للشخص المصاب.
ب- غير صحيح عدم ورود حالات تلَبس فى عهد رسولنا الكريم؛ فقد ورد عنه أنه كان يأمر الجني بالخروج من المريض وهناك أدلة من السنة النبوية الشريفة لا يتسع المجال لذكرها.
ج-وجود حالات فى مجتمعنا عن المس بالجن و خروجها بالقرآن الكريم لا يمكن إنكارها.
د-لو كان الكاتب لا يؤمن سوى بالعلم المادي.. فلماذا سكت عن الإسقاط النجمي وهو من الروحانيات و العين الحاسدة و اعترض على هذا العالم الغيبي ؟!!!
ه-تحدث القرآن الكريم _و أورده الكاتب نفسه فى كتابه "أنتيخريستوس"_ عن السحر الأسود حيث التفريق بين المرء و زوجه؛ وهى ليست من الحالات النفسية.... حتى مع فرض عدم ورود المس أو التلبس فى القرآن أو السنة فهذا ليس بدليل على عدم حدوث تلك الحالات فالإسقاط النجمي غير موجود بالقرآن أو السنة و أقرها الكاتب.
**** نظرة عامة على الرواية :
- انقسمت الرواية إلى أربعة عشر حكاية منفصلة عن بعضها وترتبط فيما بينهم بإطار كبير؛ و كأنها أربعة عشر صورة فنية أبدع الكاتب فى رسمهم جميعاً و وضعهم داخل كادر كبير متمثلاً فى المؤتمر المزعوم و صاحبه "شارلوتان".... و كان لِزاماً الإشارة و المرور السريع على كل حكاية :
أولاً :"بوب لازار" عن المنطقة (٥١) :
- المنطقة (٥١) شمال "نيفادا" حيث التجارب شديدة السرية للجيش الأمريكي... أتفق مع الكاتب فى نفي القصة المزعومة على لسان "بوب لازار" و لكن أختلف معه فى إنكار وجود تلك المنطقة و عن سرية تجاربهم.
- اعتمد الكاتب على الحوار المتبادل فخرج السرد جيداً.
ثانياً :"سوزان جونز" عن انتحار ألف من تابعي "جيم جونز" دفعةً واحدة:
- قصة حقيقية عن السيطرة الروحانية التامة على عقول نحو ألف من البشر و إجبارهم على الانتحار مع تنقيحها من أنها لم تتم بالسيطرة الفكرية فقط؛ بل وبالقوة المسلحة أيضاً على يد شيطانهم الأكبر "جون جونز".
- لم يعطِ الكاتب اهتماماً بالتعليق على سر اختفاء "سوزان جونز" من المؤتمر و أسبابه ما أضعف الحبكة قليلاً.
- السرد ممل بسبب الإسهاب و لقلة الأحداث و الحوار.
ثالثاً : "تشارلز تارت" عن الإسقاط النجمي :
- حكاية روحانية بدأت بالتشويق لكشف لغز مقتل كل من يقترب بسوء من "ايشيدا" العجوز الياباني و التى اتخذها الراوي كمُدخَل لنظرية "الإسقاط النجمي" و لكنها انتهت نهاية مُخيِّبة للآمال عندما أوضح أن ماحدث "لايشيدا" ليس له علاقة بالإسقاط النجمي.
- لم يحاول الكاتب إخضاع تلك النظرية للعلم كما فعل مع التلبس و الحسد و الروحانيات الأخرى و هو ما يشير إلى تأييده لذلك رغم نفيه للباقي.
- سرد سلس و مبسط للنظرية و لكن نهاية مخيبة للآمال.
رابعاً :"جون هاتشيسون" عن مثلث برمودا :
- أفضل الحكايات سرداً و غموضاً حيث رسم الكاتب بمهارة خطين زمانيين لا رابطَ بينهما إلا فى النهاية على يد "بوب راني" الشاهد على حادث سفينة "كارول دايرينج".
- أشار الكاتب إلى (٣) حوادث مُسجَّلَة بهذا المكان و هى :
أ- ١٩١٨ :اختفاء بارجة "سايكلوبس" بقيادة "جورج".
ب- ١٩٤٥:اختفاء سرب الطائرات التدريبية بقيادة "تشارلز".
ج- ١٩١٩:اختفاء طاقم سفينة "كارول دايرينج" دون السفينة نفسها بقيادة "وورميل".
- أخطأ الكاتب _سهواً_ بذكره "وورميل" كقائد "سايكلوبس" و هو كان قائد "كارول دايرينج".
- حاول الكاتب_ على استحياء_ إنكار عالم "مثلث برمودا" أو إظهاره على أنه مجرد بقعة مائية كغيرها و هذا ليس من الصواب بل ويخالف كلام الكاتب نفسه فيما سبق من كتاباته.
خامساً : "بريانكا شونرا" عن مصاصي الدماء :
- قصة مخبولة قصيرة عن مرض (البورفوريا) "مصاص الدماء" و تحَوُّلها من مرض عضوي فى الدم إلى مرض نفسي.
- استغل الكاتب قِصَر القصة ليأخذ الرواية لمنحنى درامي كبير؛ وإظهار حبكة رائعة بقتل كل الكاذبين رواياتهم أو محاسبتهم من جنس أفعالهم.
سادساً :"ريموند برنارد" عن الأرض المجوفة :
- كان السرد مختلفاً و ممتعاً بل و جديداً حيث قام الكاتب على لسان اليهودي برواية قصتين مختلفين فى آنٍ واحد عن رحلتين إلى جوف الأرض من القطب الشمالي إحداهما بالسفينة عن طريق "اولاف يانسن" و والده و الأخرى بالطائرة عن طريق "ريتشارد بيرد" و صديقه "ادموند".
- أطول الحكايات و أمتعها لأنها تتعرض لنظرية جوف الأرض و ما يحويه من مخلوقات حية و هي إحدى أساسيات عالم الماورائيات.
- هَدْم الكاتب لما قاله رُبَّان السفينة لا ينفي النظرية وخاصة أنه لم ينكر ذهاب "بيرد" لجوف الأرض كما أنها منطقية لتفسير وجود مخلوقات يأجوج و مأجوج.
سابعاً: "ميخائيل هاريسون" عن الاحتراق الذاتي :
- قصة غامضة مخيفة عن احتراق "د. ايرفينج" و "جورج موت" ذاتياً و لكن الكاتب أنار جوانبها المظلمة بطريقته المعهودة بإرجاع الحادثة إلى العلم و هنا كانت نظرية "فتيل الشمعة" هى الحل.
- نظراً لقِصَر الحكاية استغل الكاتب هذا الفصل لعمل تويست درامي ذكي آخر بضم شخصيات جديدة لمسرح الأحداث.
ثامناً :"أندرو كارلسن" عن السفر عبر الزمن :
- قصة بطلاها "كارلسن" و "جون تيتور" عن الادعاء بالسفر من المستقبل و فَنَّدَها الكاتب باقتدار دينياً و علمياً و منطقياً.
تاسعاً : "جوزيف ليستر" عن آكلي لحوم البشر :
- موضوع مهم و مقزز _للأسف_ عن استخدام المافيا بقيادة "لوسيانو" للحوم البشر فى سلاسل المطاعم الشهيرة.
عاشراً: "ميهريجول تورسون" عن الاويجور :
- يالله.... يا لها من قصة صادمة مؤثرة تمس القلوب قبل العقول!!! بالرغم من عدم علاقتها بعالم الماورائيات... لكن الكاتب أراد المرور على ملف إنساني و يستحق أن يُفرِد له كتاباً جديداً و هو الأقليات العرقية المسلمة بالصين و من هم على شاكلتها مثل بورما و البوسنة و من قبلهم مسلمي الأندلس .
- استطاع الكاتب أن يجعل القارئ يتفاعل مع كل كلمة تخرج من فم بطلة الحكاية حيث لعب على وتر المشاعر لدرجة أني كنت سأمزق الكتاب إن مسها "شارلوتان" بسوء.
- كان السرد هنا أشبه بأدب السجون حيث تصوير ما عانته السجينة من تعذيب جسدي و نفسي بشكل صادم و محزن.
أحدَ عشراً :"ليزا تريفور" عن العوالم الموازية:
- تجربة كاذبة بالطبع ذكرتها بطلتنا عن إخفاء بارجة حربية عن طريق "توماس براون" إبَّان الحرب العالمية الثانية.
اثنا عشراً :"طويبة الحموم" عن العين و الحسد :
- هى قصة مذكورة بالحرف على الإنترنت بالفعل تجدها عند البحث عنها.
- راقني اقتناع الكاتب بأن العين حق و عدم إنكاره و تَذَرُّعه بالعلم المادي الذى لا يعترف إلَّا بكل ما هو محسوس.
ثلاثة عشراً : "إيفان سوكولوف" عن مهرجي السيرك :
- أسوأهم فلم تعجبني و لم أفهم مغزاها و مررت عليها مرور الكرام.
أربعة عشراً :"خالد موسى" عن التلبس بالجن :
- كان من المنتظر أن تكون أهم الفصول لأنها أكثر الحكايات قرباً مِنَّا و أكثرها إثارةً للجدل.
- كنت أتمنى ألا يُدلي الكاتب بدلوه فيها بل يتركها للقارئ أو يناقشها بشكل أعمق من تلك السطحية و لذا فقد وقع هنا فى عدة أخطاء تم بيانها سابقاً....و بالتالي هذا الجزء جاء مخيباً للآمال .
**** إجمالاً عمل أدبي مُمتِع كعادة الكاتب المغَرِّد وحيداً في هذا المجال الأدبي؛ عرض شيق لحكايات من عالم ما وراء الطبيعة و تفنيدها بشكل علمي.... يُنْصح بقراءة كل فصلٍ على حدة مع التأنِّي و التركيز و البحث فى المصادر الأخرى للوقوف على الحقائق التى تتكشف أمام القارئ.