لا شيء يريح في هذه الوجوه. آلمه، في المستشفى، ذلك الانطباع الذي كان يصدمه في وجوه معارفه وبعض موظفي المستشفى. انطباع يائس بانعزالهم عنه وعن محنته. كان يرى بفزع في عيونهم صمتاً موحشاً لنداءاته، وكان يشعر بفزع أشد حين يخطر له أن زوجته، في نوبات صحوتها، قد ترى مثل هذا الصمت في عينيه. هذه الـ"قد"، كم أرقته ليالي ولم تزل. إنها الشكل المستديم في الا نكون بشراً. ومن يدري، فقد لا نستطيع كلنا، أن نثبت حقيقة أخرى تنقض هذا الشك. إنه الوجه الآخر، الهارب منا على الدوام.
رواية الوجه الآخر تأليف فؤاد التكرلي
رواية الوجه الآخر تأليف فؤاد التكرلي .. "جذبته بسمة عينيها فسار إليها وجلس قربها على الجرياية ذات الأعمدة الصفراء. كان راضياً عن أشياء لا يدري ما هي، لعلها نظام العالم الذي خيل إليه، دون اطمئنان، إنه يسير سيراً طبيعياً لا يخالف العدالة، أمسك بيدها الحارة، كانت الغرفة ذات ضوء شاحب يملؤها بالأحلام، والسكون يلف الدنيا الصغيرة حولهما، كانت زوجته دافئة، تخفي في أعماقها ابنهما المشتاق إلى الحياة، والى البهجة والنور، ولم يكن يدري أكان سعيداً أم لا، وكان يحس أنه لا يستطيع أن ينسى كل شيء"...
وكان يسير بخطوات بطيئة ثقيلة دون أن ينظر إلى وجوه المارين رغم شعوره بوطء وجودهم.