رواية باب الجنة بقلم رامي رأفت..وحده الجراح يقوم بأمر استثنائي لم يسبقه إليه أحد. ينكأ بالمِبضع جِلدَ مريض خامد تحت تأثير المُخدِّر, ويشقُّه فينفتق النسيج عن خيط دمٍ قانٍ ينساب خارجًا. يُوسِّع الفتحة التي أحدثها في جسد مريضه، ويُجفِّف ما انبثق من دماء، ثم يبدأ بتحسس الأعضاء الداخلية لجسد مريضه المسجَّى بمهابة وتواضُع، فيشعر حينئذ أنه خرقَ الناموس، وتخطَّى المقدسات حين لامس بمِبضعه المعدني وأنامله البشرية، خَلْقَ ربه المُبدع الذي لم يمسسه أحد قبله قط. مثيرٌ أن تلامس منطقة لم يسبقك أحدٌ إليها، أو أن تطأ موطئًا لم يطأْه أحد قبلك. لأجل هذه الفكرة المثيرة عرَّض الكثير من المستكشفين حياتهم للخطر على مَرِّ التاريخ.
على أن الأسبقية وحدها ليست هي المثيرة دومًا، فأحيانًا ما تكون قيمة عنصر مُضاعَفة بدوران الزمان عليه. كفحمة تخالها غير ذات قيمة دفنها أحدهم يومًا غير عابئ واستخرجها آخر ماسَّةً مدهشة.
هل سافرت إلى الأقصر ولامست أحد جدران المعابد التي تعود أعمارها لآلاف من أعوام خلت وسألت نفسك:
تُرى مَنْ لامس تلك الصخرة أو ذلك النحت قبلي؟ أهو أحد أجدادي وأنا أحد أحفاده؟ أتراه وقف هنا أم هناك؟ كيف كانت هيئته؟ وما قصته؟ وكيف عاش حياته؟ وكيف كان مماته؟
لدينا في بلادنا أحجار لا حصر لها، تنزُّ بتاريخ عريق. هل يمكن للتراث الجمعي والخبرات الجمعية أن تنتقل من جيل إلى آخر عبر مُلامسة جماد؟ كم عدد القصص والعبر التي يمكن أن تخبرنا بها صخرة وُجِدَت منذ بدء الخليقة عن الأولين الغابرين؟ كيف عاشوا وكيف انتهوا؟ كيف بنوا حضاراتهم؟ وكيف تسامع الزمان بأمجادهم وأخبار أجنادهم؟ ما المُستخلَص من عُصارة أعمارهم؟
لم يبتكر العلماء شيئًا مثل ذلك بعد، لكنها فكرة مثيرة ومُحفِّزة للخيال. أليس كذلك؟
سنكون أغنى بالمعارف وأكثر حكمة بتجارب الآخرين.
والآن نقي ما يتناهى إلى أسماعك إلا من دبيب أرواح الأجداد على أديم اليابسة، واقرأ معي هذه القصص التي قصها عليّ هذا الباب العظيم الماثل أمامك،، لكن لا تتصور أنه بمقدوري أن أقص عليك جميع قصته أو أن أنقل إليك ماضيه دون إعمال بعضًا من الخيال. فمن جهتي لازلت حديث عهد بالدنيا، لا أحتفظ بماضي الكثير من الأشياء، ومن جهته هو لم يخبرني إلا بالقليل.