رواية مدينة الرياح تأليف موسى ولد ابنو .. تدور أحداث مدينة الرياح في برازخ التاريخ، وتعتمد أسلوبا في الكتابة برزخا بين الواقعية والرمزية، وبين رواية الخيال العلمي والرواية التاريخية. فالمكان والزمان والشخوص واللغة التي أنتجتھا الرواية تتأسس في فضاء بعيد، فضاء القَصص القرآني. تستلھم رواياتي النص القرآني، سواء في وجھه الإبداعي: (خلق المصطلحات والجمل وأسماء الشخوص)، أو في تكوين عالم جديد يحاكي عوالم القَصص القرآني، أو حتى في إيجاد تقنيات جديدة للحكي. فمثلا، خلال كتابة مدينة الرياح، عرضت لي معضل إبداع بطل يشھد علي عشرات القرون وينتقل بين حقب زمنية متباعدة. وإن كانت فكرة نسبية الزمن في نظرية إنشتاين قد خطرت ببالي كطريق إلى حل ممكن، فإنھا لم تسعفني. ولكن عندما استحضرت قصة أصحاب الكھف، وكونھم عاشوا {ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا} (الآية). تبلورت أمامي طريقة تمديد حياة بطل الرواية لتغطي قرونا كثيرة. كما أني استلھمت القَصص القرآني في خلق شخصية الخضير في الرواية، ملَك الزمن، الذي ينقل البطل من فترة زمنية إلى أخرى، ليؤدي وظيفته كشاھد على الزمن.
بما أن موضوع الرواية الرئيسي ھو بصيرة الإنسان والحكم عليھا من خلال مقارنة فترات من التاريخ
تفصلھا قرون عدة، كان لابد من إيجاد لحظة يتكور فيھا الزمن، لحظة يمكن أن تشتمل علي عشرات القرون التي جابھا البطل، وتكون ھذه اللحظة لحظة حق تنجلي فيھا الحقيقة أمام البطل-الراوي، وتمكنه من الحكم على التاريخ وعلى نفسه وعلى الزمن. ھنا يظھر دور القَصص القرآني وأھمية استلھامه في الكتابة الروائية وفي حل معضلات الحكي .!
"كانت (فاله) حزينة دائماً.. تبكي أحياناً بدون سبب مفهوم.. تعلقت بي شيئاً فشيئاً.. كنت كما لو أني طير من طيورها أو دويبة من حشراتها.. كان يبدو لي أحياناً أنها تعتبرني شاهداً على عالم مضى، أثراً واهياً من زمن انصرم.. عندما تلامسني تفعل ذلك بحذر وحنان، كأنني آنية خزفية ملكية، عثر عليها باحث مهووس.
كانت تغيب أسابيع طويلة.. أسكن البيت وحدي مع النباتات والحيوانات.. وفي الليل أقرأ مخطوطاتها الشعرية التي تتغزل بالطبيعة.. عندما أقرأ شعرها يخيل إلي أنها حاضرة تكلمني.. لا حدود لشغفها بالطبيعة لهذا غادرت مدينة الرياح، وسكنت في هذه الضاحية المعزولة."