رواية هاتف السيدة نجوى

تأليف : خالد أخازي

النوعية : روايات

رواية هاتف السيدة نجوى pdf بقلم خالد أخازي  .. إن السيدة نجوى في الحكاية شخصية فاعلة في ثلاثة عوالم يطبعها التمزق بين الارتياب واليقين، وهو التمزق الذي يسهم في نمو الحكاية، ويدفع بأحداثها نحو التوتر . عالم نجوى الأول هوعالم الذات / الفرد، السيدة الصحافية التي اختارت ألا تحتفل بعيد ميلادها الستين، واكتفت بالترقب المخيف، ترقب يثير الأسئلة الوجودية، يجعل غاية الحياة القصوى تتجسد في الموت : الموت بما هو قطع الصلة بكل ما هو خارجي والانكفاء على الذات استعدادا لمرحلة زمنية غامضة مجهولة، مرحلة ما بعد الستين، ما بعد العطاء، ما بعد العمل . وفي هذا العالم الذاتي تنقلنا السيدة نجوى تارة بلطف النوستالجيا والحنين للماضي إلى عالم ثان خارج الذات الفاعلة فيه، وتارة بصرامة النقد وحصافة الرؤية لسيدة خبرت دروب الثقافة، من خلال تملكها لآليات السلطة الرابعة ( الصحافة) . وهذا العالم هوعالم العمل، العالم الذي تشرِّح فيه السيدة نجوى منطق العلاقات الاجتماعية الرابطة بين العاملين بالصحافة، مقارنة بين زمن ثقافي مثمر مضى، وآخر موصوم بالتفاهة والتنازل عن دور الصحافة التنويري لصالح المال والجنس والمصالح الشخصية في الحاضر . من داخل العالم الأول الذي تشظت فيه الذات ، وهي تكابد ثقل أسئلة الانتقال إلى ضفة زمن مباعد الستين، راغبة في النجاة من مخالب زمن الشيخوخة، استطاعت شخصية نجوى أن تنظر نظرة ناقدة إلى زمن سابق لزمن الشيخوخة وهوزمن الكهولة والعطاء بصفحة الثقافة التي تحولت إلى صفحة التفاهة قبل أن تتقاعد . وبين العالمين ، ينتصب عالم العلاقات الاجتماعية الذي تتوزعه أربع قوى فاعلة : القوة الفاعلة الأولى : الزوج عدنان، الأستاذ الجامعي المناضل الذي غاب عن ليل نجوى النقي ليرتمي في ليالي الخيانة الملوثة، غياب الشعور بالندم وإدمان شرب الخمر والعودة المتأخرة ليلا مع البوح لابنته صفاء، غياب ينتهي على مستوى عالم عدنان الخارجي بحادثة سير تلزمه الفراش مشلولا، فيحاول في عالمه الداخلي، البيت، أن يرأب الصدع بينه وبين زوجته نجوى بعدما أصبح لكل واحد منهما سرير نومه الفردي، غياب يتوج برسائل الاعتراف بعد وفاته، التي كشفت عن حقيقة زواج ساد فيه الالتزام وغاب الحب عنه، بفعل تفاني كل زوج في أداء واجباته في مؤسسة العمل وإهمال مؤسسة الزواج . وبخصوص القوة الفاعلة الثانية : ثمرة الزواج، إنها بنت السيدة نجوى وعدنان، المسماة صفاء، فهي من جهة حارسة سر الأب الذي باح لها بخيانته لأمها رغم قسوة البوح عليها، ومن جهة أخرى مصدر شك وارتياب لنجوى، الأم الضحية ( ضحية اغتصاب وزنا المحارم )، الأم التي تخشى أن تكون ابنتها هي الأخرى ضحية والد يشاركها الفراش بعدما اعتزل فراش الزوجية . إن عالم صفاء، في الرواية، هوعالم الانتقال من الشابة المغربية المؤمنة بقيم الانفتاح والحداثة المطلقة، وهي في بلدها، إلى الزوجة المسلمة المنفتحة على الآخر ( الزوج الفرنسي المسيحي الذي أقنعته باعتناق الإسلام والتخلي عن شرب الخمر ) في حدود الحفاظ على هويتها المغربية المسلمة، وهذا الاعتدال هوما ساهم في الحد من تشظي الذات لدى الأم واجتثاثها من عالم الوسوسة وشيطان الشك نحو عالم اليقين والطمأنينة نسبيا بعد وفاة الزوج . أما القوة الفاعلة الثالثة التي شكلت سندا ودعما لشخصية نجوى في محنتها بين الشك واليقين، بين الموت ( موت التقاعد ) والحياة ( معانقة الحياة من جديد )، هي زميلة العمل الصحافية، والصديقة سلوى التي تميزت بالشجاعة والانتصار للحقوق النسوية إلى حد التطرف، وهذا ما تجلى في حوارها المتشنج مع صفاء لما عادت بزوج أجنبي مسلم من فرنسا . إن سلوى هي من ساعدت نجوى على تقبل صدمة الحادث الذي ترتب عنه شلل زوجها عدنان، وهي التي ساهمت في تقوية عضد نجوى خلال قراءة رسائل الاعتراف التي تركها زوجها، كما أنها كانت رفيقة نجوى في التصالح مع الماضي والعودة إلى قريتها الأطلسية (تغسالين)، التي غادرتها( نجوى) طفلة صغيرة بعدما تعرضت لمحاولة اغتصاب من قبل زوج أمها الملقب ب" العجل " . ورغم تمسكها بقيم الحداثة المطلقة وسلوك المدينة، استطاعت سلوى أن تستقر في الهامش بعدما أحبت ابن خال سلوى الطالب المُجاز، الذي أصيب بالرهاب الاجتماعي. وبالنسبة للقوة الفاعلة الرابعة، والرئيسية التي صاحبت نجوى، منذ أن كانت طفلة إلى أن تصالحت مع الماضي ، فتتجسد في الهاتف : المنقذ لنجوى من الاغتصاب طفلة، ومن مخالب العزلة وهي زوجة توشك أن تدخل سن الشيخوخة من بابه القاتل . الهاتف الذي صاحبته وصاحبها، شاهدا على ذكرى اغتصاب كانت سببا في نزوح نجوى من الهامش إلى المركز طالبة ثم صحافية لها هبة السلطة الرابعة، وهوما جعلها تتمسك به في الداخل كصوت صرخة الأعماق، وفي الخارج، مكونا من مكونات أثاث منزلها .

شارك الكتاب مع اصدقائك