كتاب ادب الدول المتتابعة: الزنكيين والأيوبيين والمماليك بقلم سامي يوسف أبو زيد..ان هذا الكتاب حاول أن يرصد مسيرة الأدب في عصور الدول المتتابعة، من تاريخ الأدب العربي، من خلال نظرة جديدة تغطي هذه الحقبة التي تشمل عهود الزنكيين والأيوبيين والمماليك. وتجدر الإشارة إلى أن أول من استعمل مصطلح «الدول المتتابعة» هو حسن توفيق العدل في كتابه المسمى «تاريخ آداب اللغة العربية» المطبوع سنة 1960 م، إذ وزّع الأدب على خمسة عصور، سمّى آخرها «عصر الدول المتتابعة»؛ وأراد به الدول التي ظهرت بعد سقوط بغداد سنة 656 هـ على أيدي التتار، في مصر والشام وشبه الجزيرة العربية. وأدخل الدكتور عمر موسى باشا في كتابه الموسوم بـ «أدب الدولة المتتابعة» الدولة الزنكية والدولة الأيوبية في هذا المصطلح وهو ما ارتأيناه في هذه الدراسة.
وإذ أخذت هذه المحاضرات طريقها إلى النشر، كان لا بُدّ من إعادة النظر فيها، ذلك أنها لم تعدْ مُلكاً للطالب الجامعي وحده، بل غَدَتْ مُلكاً للقارئ العام والمتخصص معاً. ومن ثَمّ أعدنا كتابتها، وأضفنا إليها المزيد من المادة التعليمية، ومن النصوص بالقدر الذي يحتمله الكتاب المطبوع.
وغيرُ خافٍ على دارس هذا الأدب أنه مظلوم، فقد وُصف بأنه «أدب عصر الانحطاط»، وهذا حكم جائر، يفتقر إلى الموضوعية، ليس مرّده إلى ما في هذا الأدب من صناعة لفظية، ولا إلى ما فيه من اتّباعيّة وتقليد، وقلة ما فيه من إبداع وابتكار، وإنما يعود لأسباب أخرى، من دينية وسياسية؛ فقد واكب هذا الأدب الأحداث الكبرى التي شهدتها هذه العصور بدءاً من وقوع السهل الساحلي المسمى بالطراز الأخضر ويبت المقدس على وجه الخصوص بأيدي الفرنجة تحت شعار الصليب، ثم سقوط بغداد على أيدي المغول، وما تلا هذه الأحداث الجسام من صحوة المسلمين في الشام ومصر، حيث ظهر القادة العظام من أمثال نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي وقطز وبيبرس وغيرهم، فتوحّدت في عهودهم البلاد، وتحرّرت القدس، ودُحر التتار، وطُرد الفرنجة.
وقد واكب الأدب هذه الأحداث، وساهم في معارك التحرير جنباً إلى جنب مع سيوف المجاهدين، وأية ذلك ما خاطب به صلاح الدين جنوده، بقوله: «لا تظنوا أني ملكت البلاد بسيوفكم بل بقلم القاضي الفاضي».
من هنا برزت الحاجة لتقديم هذا الأدب الذي يغطي هذه الأحداث الكبرى، في فترة زمنية مهمة في التاريخ الإسلامي، في مصر وبلاد الشام.
أما خطة هذا الكتاب فتقوم على توزيع مادته في أربع عشرة وحدة، على النحو التالي:
بدأنا بعرض عام للحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في عصور الدول المتتابعة، لتكون أساساً للدراسة، ثم انطلقنا إلى دراسة الشعر، فتناولنا فنونه القديمة التي سار فيها الشعراء على سنن الأقدمين، وما جدّ فيه من فنون وأشكال، ووقفنا عند أعلام الشعر في ثلاثة قرون، هي: السادس والسابع والثامن الهجرية (تراجمهم وفنونهم الشعرية ونماذج نصّيّة من أشعارهم).
وتناولنا النثر بشيء من التفصيل في فنونه والتركيز عليه، فدرسنا النثر الشفاهي، فالكتابي، فالسرديات القصيرة وبخاصة فن المقامة، فالوصفي (أدب الرحلات)، وتحدّثنا بإيجاز عن الموسوعات التي عُرفت في العصر المملوكي، ثم وقفنا عند أعلام الكُتّاب والأدباء (تراجمهم ونماذج نصّيّة من إبداعاتهم النثرية).
ولما كان هذا المقرر يغطي تاريخيا مساحة زمنية تمتد من العصر الزنكي حتى نهاية عصر المماليك، كما أنه يُغطي – جغرافيا – مساحة مكانية عريضة هي مساحة تلك الدول، لما كانت فنون الشعر والنثر متعددة فقد اعتمدنا على كثير من المصادر والمراجع، ولا بُدّ من التنويه بطائفة منها، أولها «كتاب الروضتين في أخبار الدولتين» لأبي شامة، إذ حوى كثيراً من الأخبار التاريخية والأدبية. وكتاب «أدب الدول المتتابعة» للدكتور عمر موسى باشا الذي يعد أوفى دراسة معاصرة لأدب هذه العصور.