كتاب الإبداع والنبوغ: الرؤية والمنهج بقلم محمد فتحي..زعم بعض العرب الأقدمين أن الجن كانوا يسكنون قرية عبقر. و من هنا كان وصفهم لكل من يأتي بشيء فذ بالعبقرية. قاصدين ان الجديد المبدع لا ياتي المرء إلا على جناح (همس شيطاني) غير مفهوم. وقد كانت هذه مرحلة حضارية مر بها العالم كله في النظر إلى الإبداع و النبوغ. لكن طموح المجتمعات البشرية إلى الإرتقاء, و اشتداد المنافسة بينها, و تطور الثقافة الإبداعية, قاد إلى اكتشاف أن الإبداع و النبوغ لهما طريق آخر تماما, يعتمد على مقومات فردية و أسرية و تعليمية و مهنية و ثقافية و اجتماعية و تاريخية.
و رغم ذلك يبدو ان زعم (الهمس الشيطاني) ما زال يسيطر على وجداننا, و ان كثيرين منا يميلون إلى إشاعة ذلك, مع إغراء أن يكون النابغون بشرا ملهمين, وهبوا ما لم يوهب لغيرهم, رغم مجافاة ذلك لواقع تجربة النابغين -إذإ دققنا النظر فيها - و لواقع النبوغ في كل مجالات الحياة, من حيث كونه 99% عمل مجدول بالفهم و الوعي و الخيال. بل و من حيث تناقض (همس عبقر الشيطاني) مع وضيفة الإنسان الكادح كدحا في عمارة الدنيا, بالفهم و العمل و الوعي, حتى يلاقي ربه, ناهيك عن تناقضه مع مناط التكليف و الحساب للمخلوق الذي نفخ الخالق فيه بعضا من روحه, و استخلفه لعمارة الدنيا.
ترى ما هي المقومات الحقيقية التي تقود الإنسان إلى الإبداع و النبوغ, و تساعد الأمم بالتالي على النهضة؟