كتاب الإسلام وتحديات الانحطاط المعاصر بقلم منير شفيق..خلص إلى حتمية الخيار الإسلامى وصحته، وكم كان فى منتهى الوضوح وهو يؤكد على أن ركون الأمة إلى الخيار الإسلامى هو الخطوة الأولى إلا أنه يحتاج إلى خطوات أخرى تتمثل فى إعطاء إجابات إسلامية صحيحة على مجموعة أسئلة تطرحها المعضلات والتحديات السياسية والعسكرية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتنظيمية التى تواجه صراع الأمة مع أعدائها أو فى مواجهة نقاط ضعفها أو فى جهادها لتغيير نفسها، ويمثل الوصول إلى تلك الإجابات واحدًا من أهم التحديات التى تواجه العلماء والمفكرين وقادة الحركة الإسلامية فى هذا العصر.
الإسلام هو حصن الأمة الحصين، وكما خلق أمة من العدم فهو قادر حال صدق أبنائه على الأخذ بأيديهم واقتلاع اليأس من قلوبهم وتثبيتهم فى الصراع مع أنفسهم ومع أعدائهم، وأخيراً تحقيق النصر لهم، ولا يعنى تحقيق النصر أن يبقى الإسلام وحده فى الميدان وينتهى كل ماعداه، فمع انتصار الإسلام تكمن كل قوى الجاهلية لتبدأ مرحلة مقاومة جديدة، لذا لا ينبغى أن يغيب الإسلام عن ميدان الصراع أبداً.
لقد بنى الإسلام فى هذه المنطقة حالة جديدة تختلف عن الحالات التى سبقته، إذ بنى أخوة إسلامية كبرى شكلت الأمة الإسلامية التى ضمت شعوباً وقبائل وقوميات متعددة ووحَّدها تحت راية الإيمان، وأشاد حضارة إسلامية على أنقاض حضارات وثنية، كما أقام الإسلام فى دياره نظاماً اقتصادياً غير تلك الأنظمة التى تستعبد الإنسان وتسحقه تحت وطأتها، ويمكن أن يقال نفس الشيء فى فهم ما بناه الإسلام فى مجال التعليم والثقافة والصحة والسياسة الخارجية والأحوال الشخصية والأحوال المدنية، فكانت الأمة تتوحد على أساسه وتنهض وتستقل وتطور طاقاتها الإنتاجية والعلمية والثقافية وتكافح أمراضها وعاهاتها على أساسه.
لقد أثبت الإسلام مراراً وتكراراً عبر تاريخ الأمة قدرته على إنهاضها وتحريكها، وهو كامن فى قلوب الأمة، فهو ليس بفكر غريب ولا مشكوك فيه بالنسبة إليها، ويتضمن الإسلام مكاناً هائلاً للارتفاع بالأمة إلى مستوى التحدى حتى فى ظروف ما تواجهه من اختلال فى نسب القوى بينها وبين أعدائها، وأهداف أبنائه ليست نابعة من معطيات مادية صرفة نابعة من مقومات القوة الأرضية أو المصلحة، فهذا يدفع إلى المساومة على الهدف حتى لو بالتنازل عنه حين تكون تكلفته المادية تفوقه، أما من يتخذ الإسلام منهجاً، ويجعل الله غاية أعماله قولاً وعملاً فلا تستطيع قوة قاهرة أن تجبره أو تغريه على التخلى عن تلك الغاية، وبالتالى فهو لا يساوم على عقيدته ومبادئه وأهدافه، مهما تكن الظروف غير مواتية وموازين القوى فى غير مصلحته.