دفع القائلين به حماسهم الديني وتعصبهم للعقيدة التي يحمبونها. وكنت أقرأ كثيراً من التعليلات التي يستدل بها أصحابها على سمو هذا التعبير مارتباط الآيات ببعضها وارتباط فواتح السور بخواتيمها وارتباط السور ببعضها واختيار الألفاظ دون مرادفاتها ونحوذلك فلا أراها علمية وأجد كثيراً منها متكلفاً وكنت أقول: أنه لو كان التعبير على غير ذلك لعللوه أيضاً فإن الإنسان لا يعدم تعليلاً لما يريد، إلا أنه بمرور الزمن وبعد اطلاعي على مؤلفات أحسبها غير قليلة في كتب اللعة والتفسير والإعجاز والبلاغة ونحوها – وذلك بحكم اختصاصي- بدأت أميل إلى تصديق هذه المقولة، فقد اتضح لي أن قسماً غير قليل مما كُتب كُتب بروح علمية عالية وأن كثيراً مما كُتب لا أزال أراه الآن كما كنت أراه من قبل.
ثم قررت أن أدرس النص القرآني بنفسي فبدأت أجري موازنات بين كثير من الآيات من حيث التشابه والاختلاف في التعبير ، والتقديم والتأخير، والذكر والحذف وما إلى ذلك من أمور لغوية وبلاغية ومعنوية ، وأفحصها فحصاً دقيقاً فراعني ما رأيت من الدقة في التعبير والإحكام في الفن والعلو في الصنعة. وجدت تعبيرا فنيا مقصودا حُسِب لكل كلمة فيه حسابها ، بل لكل حرف، بل لكل حَرَكة.
وكلما أمعنت النظر والتدقيق والموازنة ازددت بذاك يقيناً وبصيرة . وانتهيت إلى حقيقة مسلّمة بالنسبة إلي وهي أن هذا القرآن لا يمكن أن يكون من كلام البشر، وأن الخلق أولهم وآخرهم لو اجتمعوا على أ ن يفعلوا مثل ذلك ما قدروا عليه ولا قاربوا.
وأنا لا أطلب من القارئ أن يُسلّم بهذه الحقيقة فإن هذا طلب لا مطمع منه لمجرد القول والإدعاء وإنما الذي أطلبه منه أن يخلع عنه جلباب العصبية وينظر بروح علمية مجرّدة. وأنا لا أشك في أنه سيصل إلى ما وصلت إليه.
صحيح أن كثيراً من الناس ليس لديهم اطلاع على المسلّمات اللغوية وليس لديهم معرفة بأحكام اللغة وأسرارها ومن الصعب أن يهتدي هؤلاء إلى أمثال هذه المواطن من غير دليل يأخذ بأيديهم يدلّهم على مواطن الفنوالجمال ويُبصّرهم بأسرار التعبير ويوضح لهم ذلك بأمثلة يعونها ويفهمونها. وهذا الكتاب أحسبه من هذا النمط فما هو إلا دليل يشير إلى شيء من مواطن الفن والجمال ويُبصّر بقسم من أسرار التعبير.
أنا لا أقول أني وضعت الكتاب بعيداً عن العصبية والهوى وإن كان يُخيّل إلي أني فعلت ذاك ولا أفترض أن القارئ سيسلّم بكل ما يجده فيه ولا أطلب منه ذاك ولكني أدعو القارئ أن يقرأ بعقل متفتح وقلب يقظان وأن يصبر على ما لم يسبق له به علم من أمور اللغة حتى يعيَها وذلك ليس بأمر عسير.
وأظنه متى فعل ذلك سيبصر ما أبصرناه وينتهي إلى ما انتهينا إليهز
نسأله تعالى أن يلهمنا الرشد ويجنبنا الزلل إنه سميع مجيب.
كتاب التعبير القرآني - فاضل صالح السامرائي
كتاب التعبير القرآني بقلم فاضل صالح السامرائي..هذا هو الكتاب الأول ضمن دراسات بيانية في الأسلوب القرآني وقد قدّم له بالدكتور بهذه المقدمة:
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً والصلاة والسلام على رافع لواء الهدى سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والداعين بدعوته وبعد:
فقد كنت أسمع من يقول: إن القرآن معجز وإنه أعلى كلام وأنه لا يمكن مجاراته أو مداناته ,ان الخلق أجمعين لو اجتمعوا على أن يقولوا مثله ما استطاعوا. وقد قرأت في كثير من الكتب نحواً من هذا القول. وكنت أرى في هذا غلواً ومبالغة،
نحن نعمل على تصفية المحتوى من أجل
توفير الكتب بشكل أكثر قانونية ودقة لذلك هذا الكتاب غير متوفر حاليا حفاظا على حقوق
المؤلف ودار النشر.