وقد قسم المؤلف هذا الكتاب إلى ثلاثة أقسام وتمهيد ومدخل، إضافة إلى المقدمة. ففي المقدمة يتعرض إلى السبب الذي دفعه لإصدار طبعة جديدة من الكتاب، أو ما هو أوسع من مجرد طبعة جديدة، إنما تقديم "تفسير جديد" أو "تاريخ جديد" للدولة العبيدية في مصر، في ضوء ما حصل عليه من مخطوطات جديدة أو إعادة قراءة المصادر التقليدية.
في التمهيد، يتناول المؤلف مصادر التاريخ الفاطمي،والوضع الراهن للدراسات الفاطمية والإسماعيلية. ويشمل المدخل على دراسة عن الإسماعيلية المبكرة حتى قيام الدولة العبيدية في أفريقيا .ويعتبر أن الفترة المبكرة في تاريخ الحركة الإسماعيلية، التي تعد فترة حضانة الحركة هي الجانب الأكبر غموضاً في كل تاريخ الحركة، ومن ذلك الغموض ما يتعلق بنسب هؤلاء الحكام العبيديين الذين قامت دولتهم "على أساس ادّعاء إيصال نسب أصحابها إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن طريق السيدة فاطمة والإمام علي".
ويعقد المؤلف لهذه المسألة (نسب العبيديين) مبحثاً مستقلاً يذكر فيه الأدلة العديدة التي تشكك في انتساب العبيديين إلى آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم منها:
1ـ إن حكام العبيديين فيما بعد، لم يحاولوا قط إبطال الحملات التي شنّها ضدهم أهل السنة، أو الرد عليها بسبب إصرارهم على عدم إذاعة أي نسب رسمي لأصولهم، اعتماداً على مبدأ شيعي إسماعيلي هو "عدم كشف أولئك الذين سترهم الله" حتى إن المعز لدين الله رابع الحكام العبيديين عندما دخل إلى مصر ولقيه أشرافُها، وسألوه عن نسبه، اكتفى بأن سلّ لهم نصف سيفه، وقال: هذا نسبي، ونثر عليهم ذهباً كثيراً، وقال: هذا حسبي.
2ـ لما كتب العزيز بالله ابن المعز كتاباً إلى خليفة الأندلس يسبه ويهجوه فيه، جاءه ردّه عليه: "أما بعد: فإنك عَرَفتَنا فهجوتنا، ولو عرفناك لأجبناك، والسلام". أي أن خليفة الأندلس ترفّع عن هجاء من لا يعرف له نسب كالعبيديين.
3ـ الرسالة التي بعث بها المهدي، أول حاكم للعبيديين، إلى الطائفة الإسماعيلية في اليمن، وأوردها من ذاكرته في فترة تالية جعفر بن منصور اليمن في كتاب "الفرائض وحدود الدين" وفيها يشرح المهدي العبيدي نسب حكام العبيديين، معلناً أسماء الأئمة المستورين عندهم، وهذه الرسالة يعتبرها د. أيمن "محاولة يمكن أن نضيفها إلى الغموض الذي ما زال قائماً حول هذه القضية"، حيث ينكر المهدي في هذه الرسالة اتصال نسبه إلى إسماعيل بن جعفر الصادق (كما استقر الأمر عند الإسماعيلية)، ويقرر أن جدّه الأعلى هو عبد الله، الأخ الأكبر لإسماعيل بن جعفر الصادق.
وبعد المقدمة والتمهيد والمدخل التي تجاوزت 100 صفحة، يبدأ القسم الأول من الكتاب الذي يسميه المؤلف "الكتاب الأول" ويحتوي على تسعة فصول يبدأها بقيام حكم العبيديين في شمال أفريقيا، فانتقالهم إلى مصر والمشرق، ثم التوسع، فالصدام العبيدي مع الخلافة العباسية، ثم يخصص الفصل الخامس لبدر الجمالي أحد الوزراء الذين كان لهم دور في إنقاذ دولتهم بعد أن ساءت أحوالها، وفي الفصول المتبقية يتحدث عن (نهاية الاستقرار، بداية التدهور، الاضمحلال، وأخيراً: النهاية وانقلاب صلاح الدين).
وحيث أن فترة الحاكم بأمر الله، ثالث حكام العبيديين في مصر، كانت فترة غريبة متناقضة، فقد خصص لها المؤلف الجزء الأكبر من الفصل الثالث، وفيه يتحدث عن ديكتاتورية هذا الحاكم، وادّعائه الألوهية، وتساهله في بعض أصول عقيدته من أجل كسب شعبية لنظامه.
ويؤكد المؤلف أن هذا الحاكم الذي استلم الحكم صغيراً بعد وفاة والده العزيز بالله سنة 386هـ، بدأ عهده "الفعلي" بقتل وزيره برجوان، وهو الذي كفله بعد وفاة أبيه.
ويقول أن الحاكم ابتداءً من تاريخ قتل برجوان سنة 390هـ، أصبح طاغية مطلقا لا تصدر قراراته سوى عن هواه أو مزاجه الشخصي، فقد كان يأخذ القرار ثم ينقضه بعد قليل. ويقسم د. أيمن فترة حكمه بعد تخلصه من برجوان واستقلاله بأمور الدولة إلى ثلاث فترات:
الأولى: اسماها المؤلف "الاعتدال"، وفيها ظل الحاكم محافظا على الشعائر الشيعية في الأذان والصيام وغيرهما، إلاّ أنه ألغى بعض ما يؤذي أهل السنة مثل سب الصحابة، من أجل كسب ودهم.
الثانية: اضطهاد أهل الذمة، ومصادرة أملاكهم، لكنه عاد ورفع شأنهم وأعاد لهم كنائسهم وأوقافهم.
الثالثة: النواهي، وهي قائمة طويلة من الأشياء التي منعها الحاكم في المجتمع، ويفسرها المؤلف بأنها "إجراءات إصلاحية"، مثل منعه لزراعة العنب، ومنع النساء من الخروج من منازلهن، وأكل السمك الذي لا قشر له.
أما تحريم الحاكم لأكل الملوخية فيفسر المؤلف ذلك بميل معاوية لها، وتحريمه للجرجير لنسبته إلى السيدة عائشة، ونهى عن "المتوكلية" لنسبتها إلى المتوكل العباسي.
وسياسته الدينية، وموقفه من أعوانه ومساعديه، يصعب تفسيره، فتشدده مع أهل الذمة في جزء من حكمه ينافي الولاء الذي كان أجداده يكنونه لهم، وفي الوقت نفسه أساء لأهل السنة، عندما أشاع هو، وشاع في عصره، سب الصحابة، والأمر بكتابة ذلك على جدران المساجد، وعلى أبواب المنازل والمحال التجارية، وإكراه الناس على فعله.
وفي هذا الفصل أيضا ينتقل المؤلف إلى فكرة خطيرة هي ادعاء ألوهية الحاكم، فيقول: "في سنة 407هـ / 1017م وصل إلى القاهرة فريق من الدعاة الفرس يضم الحسن بن حيدرة الفرغاني الأخرم، وحمزة بن احمد اللبّاد الزوزني، ومحمد بن إسماعيل أنوشتكين الدرزي، وأعلنوا تأليه الحاكم، وحاولوا فرض هذه العقيدة على أهل الفسطاط. وقد ترك الحاكم هؤلاء الدعاة يقومون بالدعوة إلى الدين الجديد دون دعم منه،وإن لم يمانع في منح تعاطفه لحركة تحاول أن تجمع الدولة حول شخصه، وتطلق على أتباعها اسم الموحدين" ص 174.
ثم يلفت المؤلف انتباهنا إلى عمل مشؤوم آخر من أعمال هذا الحاكم العبيدي، وهو محاولة نقل الحج إلى مصر! ويقول: "تبعا لرواية أوردها الجغرافي الأندلسي أبو عُبيد البكري المتوفى سنة 487هـ/ 1094م وأيّدتها مصادر أخرى، شيّد الحاكم بأمر الله في المنطقة الواقعة بين الفسطاط والقاهرة ثلاثة مشاهد لينقل إليها رفات النبي صلى الله عليه وسلم ورفات أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما من المدينة، وهي محاولة كُتب لها الفشل".
وتفيد بعض الروايات بأن أحد الزنادقة أشار على الحاكم بنبش قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه وحملهم إلى مصر، وبذلك يشد الناس رحالهم من أقطار الأرض إليها. وقد بذل الحاكم أموالاً لرجال من شيعته نجحوا في حفر سرداب أسفل الدور المجاورة لمنزل الرسول صلى الله عليه وسلم مقابل القبر، غير أن أهل المدنية النبوية لم يلبثوا أن علموا بما فعلوا وبنيتهم فقتلوهم، ثم رصفوا تلك الحفرة بالحجارة، وأفرغوا عليها الرصاص بحيث لا يطمع في الوصول إليها طامع أبداً.
وفي آخر هذا القسم من الكتاب يتحدث المؤلف عن "انقلاب" صلاح الدين الأيوبي رحمه الله على الدولة العبيدية وإسقاطه لها، وإعادة مصر إلى مذهب أهل السنة كما كانت قبل احتلالها من قبل العبيديين الإسماعيليين. ويؤكد أن جهود صلاح الدين في القضاء على دولة العبيديين لم تتم إلاّ بفضل خطة محكمة نفذها، من بنودها تقوية مكانته في مصر، باستقدام والده وإخوانه وتعيينهم في مناصب هامة، وإدخال تغييرات كبيرة في نظام الجيش، وإلغاء الشعائر الشيعية التي فرضها العبيديون مثل سب الخلفاء والصحابة، وعزل جميع القضاة الإسماعيليين، ثم في خاتمة المطاف القضاء على دولة العبيديين، وإعادة الخطبة إلى الخليفة العباسي المستضيئ بأمر الله في محرم سنة 567هـ.
ولم يكد يمر عامان على سقوط دولة العبيديين حتى قام جماعة من أتباع هذه الدولة بينهم داعي الدعاة ابن عبد القوي، والشاعر نجم الدين عمارة اليمني، واتفقوا فيما بينهم على إقامة حاكم جديد ووزير، وكاتبوا الفرنج في بيت المقدس ليعينوهم على تحقيق انقلابهم لكن صلاح الدين تمكّن من كشف مؤامرتهم وقتلهم.
وتضمن القسم الثاني من الكتاب موضوع "النظم والحضارة" في الدولة العبيدية، فيما يتناول القسم الثالث موضوع "الجيش والبحرية". (less)
كتاب الدولة الفاطمية في مصر تفسير جديد - أيمن فؤاد سيد
كتاب الدولة الفاطمية في مصر تفسير جديد بقلم أيمن فؤاد سيد.. على الرغم من أنّ كتباً عديدة تناولت الدولة العبيدية الفاطمية في مصر، إلاّ أن كتاب "الدولة الفاطمية في مصر: تفسير جديد" لمؤلفه د. أيمن فؤاد سيّد يظل أحد أهم هذه الكتب الحديثة وأوسعها، وقد صدرت الطبعة الأولى منه سنة 1992م، أما الطبعة الثانية فصدرت في فبراير سنة 2000م في 820 صفحة من القطع الكبير، واشتمل على العديد من الفهارس، والصور الخاصة بالحقبة الفاطمية، إضافة إلى ترجمة مقدمة الكتاب إلى اللغة الفرنسية.
نحن نعمل على تصفية المحتوى من أجل
توفير الكتب بشكل أكثر قانونية ودقة لذلك هذا الكتاب غير متوفر حاليا حفاظا على حقوق
المؤلف ودار النشر.