كتاب الصراع مع غراندايزر: نصوص في التنمر الإلكتروني بقلم عمر الحمادي ....يُحكى أن مؤسس مصر الجديدة محمد علي باشا أراد أن يُدخل نظام صنابير المياه إلى المساجد لجعل حياة المصلين أكثر سعادة بدلاً من التوضؤ بتقنية الغرْف بالأواني التي يُسكب ماؤها على الجسم على نحو ما كان يستحم الإغريق منذ آلاف السنين، وليُخرج الباشا نفسه من نكد
البلبلة استفتى علماء المذاهب الأربعة، المفاجأة أن جميعهم حرموا استخدام تقنية الصنابير – لكونها بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار – ما عدا علماء الحنفية، ولذلك سميت هذه التقنية العظيمة في توصيل المياه باسمهم إلى يومنا هذا. يتذكر جيل "غراندايزر" كمية النكد التي حاول البعض إشاعتها من أجل قتل البهجة بين الناس، ورغم الحرب الشرسة ضد العلوم والآداب والفنون إلا أن ذلك الجيل انتصر بفضل جبروت الواقع، لكن لم تنته المعركة بعد، وانتقلت إلى فضاء العالم الإلكتروني على يد المُتنمرين الإلكترونيين الذين يحاولون خلق فكرة هدّامة مقابل كل فكرة مستنيرة، لا ليشاركوا في تقويمها وإصلاحها ولكن ليشوشوا عليها ويصرفوها عن مسارها الحضاري، من خضم هذا الصراع وُلد هذا الكتاب ليعرض ويناقش ويحاور.دعونا نخرج من القوقعة التي حشرنا أنفسنا فيها، فاقتناء الكتب المكررة أو شديدة التخصص أو المريحة فكريا ً لا يصنع مثقفا واعياً ولا قارئاً ألمعياً ، فالقارئ الذكي هو من يسعى لمعرفة شيء عن كل شيء وليس لمعرفة كل شيء عن شيء واحد فقط، وهو من لا يفوت فرصة لاستفزاز كل تجويف من تجاويف عقله للولوج في آفاق آخر ما أنتجه العقل البشري. وصل البعض إلى الحضيض في ممارسة التحريض على كل من يخالفه في فكرة مارّة أو خاطرة عابرة، فضلاً عن أن يخالفه في مذهب منفصل أو عقيدة كاملة، فهنا يتحول المُحرض إلى "دون كيشوت" العدو الشرس للطواحين الهوائية، ويُهيأ له أنه يزداد قرباً من مُعتقده كلما ازداد خصومة لمعتقد غيره، غير مدرك أنه بمجرد اعتناقه للتحريض والكراهية فإنه يستهلك شطراً كبيراً من طاقته بحثاً عن شيء يحرض عليه، وإن لم يجد ما يحرض عليه فسيحرض على نفسه لأنه كالنار تشتهي الحطب وعندما لا تجده فإنه يأكل بعضها بعضاً إلى أن تخمد نفسها بنفسها.