كتاب العلم في مرآة الحضارة .. الجزء الأول من تأليف محمد وائل دعبول .. ظهر التطور إلى الوجود منذ عام 1859 وهو العام الذي نشر فيه دارون كتابه الشهير ( نشوء الأنواع) . ومنذ ذلك الحين أخذت الجهات العلمية ذات النفوذ تدفع به إلى الواجهة الإعلامية والتعليمية. وقد تم إجراء العديد من المناظرات في تلك الآونة بين من يطلق عليهم أنصار التطور من أمثال دارون وهيكسلي وهيغل وغيرهم، وهم الذين اعتنقوا فلسفة التطور كمذهب متكامل، وبين من أطلق عليهم لاحقا اسم أنصار الخلق. وهم الأغلبية من البشر الذين يؤمنون بأن خالقا قد خلق الكون وهو يديره بتدبير واقتدار. وفيما يبدو، فقد كان التفوق الدعائي والنفوذ في المناصب ومراكز القرار في حينه، حليف أنصار التطور. مما حدا منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى نهاية القرن العشرين بأن يتم فرض التطور فرضا في المنهاج التعليمي على اعتبار أنه الحقيقة العلمية الخالصة لجميع الهيئات التعليمية العامة في معظم الأنحاء. ومنذ ذلك الحين، و لا يزال يتم تدريس التطور في المدارس العامة ويتم تقديمه في الإعلام على أنه حقيقة وليس محض نظرية بمسمى ( حقائق التطور).
لقد حدا عدم تولية الموضوع الاهتمام المناسب ببعض كتاب العربية أن يعلنوا وفي مجلة من أهم وأوسع المجلات انتشارا في عالمنا العربي ويقرروا أن التطور هو حقيقة خالصة لاشك فيها. حيث كتب أحدهم ممن استهوتهم فلسفات التطور: " والمهم أن معظم الجدل يدور الآن ليس حول إذا ما كان التطور حدث بالفعل في الماضي وسيحدث بشكل ما في المستقبل، أو حول مجالات ذلك التطور، ولكن يدور حول كيف حدث هذا التطور في الماضي؟ و كيف يحدث الآن؟ وسيحدث في المستقبل". فهو يبشرنا أن التطور هو أمر لا ريب فيه بل هو الحقيقة العلمية المطلقة التي يسير الكون من خلالها. ويكتب أيضا " وإذا كان التطور البيولوجي قد أدى بمقتضى الدارونية التقليدية إلى تقدم كل أنواع الكائنات الحية، بما فيها المخلوقات العاقلة بجميع خصائصها ومقوماتها الإدراكية فان التنمية التطورية تهتم إلى جانب ذلك بالنمو الثقافي والتكنولوجي كعامل مساعد على تقدم وارتقاء الجنس البشري بطريقة عقلانية واعية ومرسومة وبسرعة اكبر مما كان يحدث في الماضي بمقتضى الانتخاب الطبيعي ، كما تحقق تقدما هائلا في طول فترة الحياة من ناحية وتقدم إنتاجية العمل والمعرفة العلمية والتنظيمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، من الناحية الأخرى" . هنا يجب أن نسأل : هل يجب أن نقبل بمثل هذا الكلام دون أي دليل؟ أم أن علينا ألا نكتفي بالصمت وأن يتم تبيان خلل تلك المزاعم كما يحصل الآن في بقية البلدان من العالم.