كتاب المحجر للمؤلف محمد خضير ولدِت قصصُ هذه المجموعة من متراس الجُسور التشرينيّ، أولاً، ثم من هاجسٍ عميق يعتملُ بين الضلوع العارية (أكثر من هاجس واحد: اغتيال شخص، اختطافه في قبو، استدراجه إلى كمين، حجْره في مَحْجِر). التقطَت الكتابةُ هذه الهواجسَ ووسّعتْها، أو شتّتتْها في غير اتجاهها الأساس، وزجّتْها في أكثر من ثيمةٍ سردية. وفّرَت الحركةُ الاحتجاجية التشرينيّة هواجسَ عالية الخصوبة، احتبسَتْها صُدورُ شخصياتٍ مختارة، قبل تحليلها في الوقت المناسب (هواجس مهشّمة الضلوع؛ مخنوقة بشحة الهواء،
تلوب بحثاً عن تطمين). ما أطولَ الانتظار، وأصعبَ اقتباس الهواجس هذه في عمل سرديّ، لكنّ النور يلوح أخيراً من نهاية نفق، كنفق ساحة التحرير، أو ينعكس على عدسة كاميرا في يوم كثيف الضباب، تحت جسر! النصّ يستدلّ على نهايته الجديدة بآليات قواعده القديمة. أهجِسُ أنّ ملايين يهجِسون مصيرَهم (مثل نَفَسِ سيجارة، صفحةٍ أخيرة في كِتاب، رفرفةِ جناحيْ عصفورٍ في زاوية السقف، وجهٍ منزوٍ في كهف؛ مثل صدى ضعيفٍ لكلمة الحرية) وهم يشاركونني توثيقَ الحواجز والأبراج والجسور والأنفاق. طُوبى للهاجِسين الصادقين، القرّاء الذين شهِدوا ما شَهِدَتْه قصصُ تشرين، ولا يريدون أن تزول انعكاساتُها من صفحة النهر، نهر الحرية والنور!