كتاب النظرية الإسلامية في الكهانة للمؤلف إلياس بلكا تاريخ البشرية قديماً على أن المجتمعات الإنسانية عرفت صراعاً مستمراً بين اتجاهين كانا يتنافسان على قيادتهما وتوجيهها في مجالات الاعتقاد والتعبد والتصور خاصة. فمنذ ماض سحيق ظهرت الكهانة وملحقاتها من السحر والتنجيم وسيطرت على كثير من القبائل والشعوب زماناً طويلاً لكنها وجهت
من طرف النبوة التي دعت إلى مذهبية أخرى مخالفة تماماً للكهانة. ودارت الحرب سجالاً بين الأنبياء الذين كانوا يحملون إلى أممهم ديناً سامياً يبين لهم غاية الإنسان في هذا الوجود ومكانته فيه وعلاقته بخالق الكون وما فيه من طبيعة طيبة وحياة وبين الكهانة حماة الوثنية ورموزها. ويسجل التاريخ أن ظاهرة التكهن خصوصاً ذاك الذي يمارس في المعابد بطقوس احتفالية خاصة كما عند اليونان ضعفت كثيراً في المرحلة الزمنية قبل ميلاد المسيح عيسى عليه السلام بقليل واستمر هذا الضعف قائماً حتى أظل زمن الإسلام الذي استطاع أن يقضي على الكهانة بشكل نهائي. لذلك فإن مما يهدف إليه هذا الكتاب هو تجلية دور الإسلام في محاربة الكهانة والعرافة. وقد بينت الدراسة -في هذه الفصول الثلاثة- وجود إشكالات حقيقية يثيرها موضوع الكهانة، وهي إشكالات قديمة سجلتها بعض الأدبيات اليونانية ثم اللاتينية فالمسيحية. وهي تتعلق -أساساً- بسؤالين: الأول: ما هي حقيقة المهانة، خصوصاً التي تقوم بالمعابد؟ ولماذا كانت هذه الممارسة تتمتع -طوال زمن طويل- بالنفوذ والاحترام؟ وكيف نفسر صدق بعض نبوءاتها، وهو الصدق الذي ظل دائماً أحد أهم أسباب استمرار الكهانة. الثاني: لماذا -قبيل ظهور المسيح بن مريم- توقفت أكثر معابد التكهن عن إلقاء النبوءات، ولماذا حدث هذا التوقف بصورة سريعة ومفاجئة حيرت القدماء والمحدثين، على حد سواء؟ وقد نبهت على هذه الاشكالات في الفصل الثالث، ثم درستها بتفصيل وأوردت خلاصة النظر الهليني والمسيحي في أمرها، وناقشتها وبينت مالها وما عليها، وهذا موضوع الفصل الرابع. ثم تكشف لي بالبحث والدراسة أن الإسلام يحمل أجوبة هامة على هذه الإشكالات، وهي أجوبة متكاملة ومتماسكة ومفصلة تكون كلها معالم نظرية أصيلة في الموضوع، ولهذا جعلت الباب الثاني حول النظرية الإسلامية في الكهانة. وقد قدمت كثيراً من عناصر هذه الأجوبة في الفصل الأول، وعنوانه: حقيقة الكهانة في الإسلام. وفي الفصل الثاني قابلت بين النبوة والكهانة، وبينت ما بينهما من فروق كبيرة، وأوضحت لماذا كان يصر بعض العرب على اتهام النبي الكريم بالتكهن. وكان من تتمة هذا الموضوع -النبوة والمهانة- أن عرضت باختصار لقصة الغرانيق، وللغز ابن صياد الذي عاش بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم أيام البعثة، ويعتقد بعض العلماء أن له علاقة بالكهانة. وفي الفصل الأخير تناولت موضوع انقطاع الكهانة، أو استمرارها إلى يوم القيامة، وبينت قيمة تقسيم العلماء المسلمين هذه الظاهرة إلى نوعين مختلفين. إن أكثر عناصر هذا الكتاب موجودة في التراثين الغربي والإسلامي، ولكنني لم أرها مجموعة -عندنا- ومنسقة ومفسرة على هذا النحو الذي يجده القارئ في هذه الدراسة، ولذلك أعتقد أن هذا الكتاب هو أول دراسة متخصصة في الموضوع في العربية، وأحسب -والله تعالى أعلم- أنه لذلك يسد ثغرة في المكتبة العربية والإسلامية، كما أنه يفيد في رسم التاريخ الديني والفكري للبشرية، وما حمله الإسلام إلى هذا التاريخ وخدمه به.