كتاب بذور الرشد: تفسير سورتي الممتحنة والصف

محمد باباعمي

التفاسير

كتاب بذور الرشد: تفسير سورتي الممتحنة والصف للمؤلف محمد باباعمي ورد في سورة الممتحنة مِن ذكْرِ الأرحام والأنساب ما يستغرق الحياةَ كلَّها، وما يرسم مشهد المجتمعات جميعها؛ ولا ريب أنَّ "شبكة العلاقات الاجتماعية" هي الآصرة التي تضبط إيقاع الحضارة؛ فإذا وُصِلت جاءت على إثرها الأمم مَهيبةً كريمةً، عَزيزةً مكينةً؛ وإذا فُصِلت هذه

 الأرحامُ وتقطَّعت تلكم الأواصر، سارع الفسادُ والظلمُ، والشرُّ والضلالُ، إلى مفاصِل المجتمع؛ ونخر عِظامها، ثم تركها قفرًا يبابًا، لا يجمعها جامعٌ من دينٍ، ولا يربطها رابطٌ من عقلٍ.والتالي لسورة الممتحنة يتنقل بين أرحامٍ توصَل وأرحامٍ تـــَـــــقطَّع؛ ذلك أنَّ السبب المحدِّد للوصل أو الفصل هو "الإيمان والكفر"، وليس أيَّ مصلحة من مصالح الدنيا؛ ولهذا أخرج الكفار رسولهم صلى الله عليه وسلم من أحب أرض الله إليه، أي من مكة الكرَّمة؛ وفي فلعتهم الشنيعة تقطيعٌ للأرحامِ عظيمٌ، وظلمٌ للناس كبيرٌ، وإفسادٌ في الأرض شديدٌ.-----وسورة الصف – على غرار القرآن كله – طافحةٌ بالمجاز، غزيرةٌ في تصويرها الفنيِّ، عميقةٌ في صورها الذهنية-الإدراكية وتمثلاتها؛ وهي لوحدها مدرسةٌ لمن أراد أن يهذِّب دليله الفكريِّ، ويجمِّل أسلوبه الأدبي، ويحسِّن منهجه في طرح المواضيع، وفي إقناع الناس وكسب قلوبهم وعقولهم. فعنوان السورة "الصف" يرسم لنا حقيقةً لا ترسمها العناوين الرسمية المدرسيةُ؛ ذلك أنَّ وقوف الناس في صفٍّ واحد، وحركتهم حركة واحدةً، وسكونهم سكونا واحدًا... يصنع منهم مشهدا بديعا في مواجهة العدوِّ الماديِّ والمعنويِّ؛ الخارجيِّ والداخليِّ؛ ولذا فإنَّ الله تعالى "يحبُّ الذين يقاتلون في سبيله صفًّا"؛ ثم إنَّ هذا الصفَّ شبَّهه ابيان القرآنيُّ بشكلٍ آخر يألفه الناس ويلمسونه، وهم يسعون إلى تحقيقه في عمارتهم للأرض، إنه شكلُ "البنيان المرصوص" الذي لا شرخ فيه، ولا هوة، ولا هشاشة، ولا اهتزاز.

شارك الكتاب مع اصدقائك