كتاب تأملات حول المنفى 1

كتاب تأملات حول المنفى 1

تأليف : إدوارد سعيد

النوعية : نصوص وخواطر

حفظ تقييم
كتاب تأملات حول المنفى 1 تأليف إدوارد سعيد .. مثل هذه التأملات حول المنفى مجموعة مقالات كتبها إدوارد سعيد على مدى فترة تقارب الخمسة وثلاثين عاماً، وهي إلى هذا ثمرة من ثماره الفكرية التي نجمت عن تدريسه ودارسته في واحدة من المؤسسات الأكاديمية، هي جامعة كولومبيا في نيويورك. حيث كان قد وصل إلى هناك في خريف 1963 خريجاً جامعياً طري العود، وكان ما زال هناك عند كتابته لسطور هذه المقالات، أستاذاً في قسم الأدب الإنكليزي والأدب المقارن في تلك الجامعة. وبالنسبة له فإن الجامعة الأميركية بصورة عامة هي اليوتوبيا الأخيرة الباقية بالنسبة لهيئتها التدريسية وكثير من طلابها، لأن نيويورك هي الواقعة التي تلعب دوراً مهماً في ذلك الضرب من النقد والتأويل الذي قام به، والمتمثل في هذه الكتاب كنوع من السجل أو المدوّنة.  فنيويورك، منفى إدوارد سعيد الذي هو محور المقالات، هي نيويورك القلعة المضطربة، المتنوعة بغير انقطاع، والمفعمة بالطاقة، والمتقلبة والمقاومة، والقادرة على الاستغراق والامتصاص وهي اليوم ما كانت عليه باريس منذ مائة عام، عاصمة عصرنا. ومركزية هذه المدينة ناجمة عن غرابة أطوارها وعن ذلك المزيج الخاص من الصفات التي تميزها، هذا ما رآه إدوارد سعيد، ويقول بأن هذا ليس بالأمر الإيجابي والمريح على الدوام، وبالنسبة لمقيم غير مرتبطٍ بشركة، أو بملكية فعلية، أو بعالم الإعلام، فإن حالة نيويورك "المنفى" الغربية كمدنيةٍ تختلف عن جميع المدن الأخرى غالباً ما تشكل وجهاً مزعجاً من أوجه الحياة اليومية، ذلك أن هامشية الغريب، وغزلته، عادةً ما يمكنها التغلب على إحساس المرء بوجوده المعتاد فيها. تلك كانت لمحة عن صورة المنفى لدى إدوارد سعيد، ومع المضي في مقالاته هذه يستشف القارئ بأن منطقة المنفى هذه هي المنطقة "الطباقية" الأساسية إلى أبعد حدّ عنده، حيث يشير هذه المصطلح المستمد من الموسيقا إلى الاستعمال المتزامن للحنين، أو أكثر بغية إنتاج المعنى الموسيقي، بما يسمح بالقول عند أحد الألحان إنّه في حالة تضاد مع لحن آخر. وفي النقد العربي القديم يشير الطباق إلى علاقات تضاد دلالي بين الكلمات. يقول إدوارد سعيد في "الثقافة والإمبريالية": "في النقطة الطباقية للموسيقا العريقة الغربية، تتبارى وتتصادم موضوعات متنوعة إحداها مع الأخرى، دون أن يكون لأيّ منها دور امتيازي إلا بصورة مؤقتة، ومع ذلك يكون في التعدد النقمي الناتج تلاؤم ونظام، تفاعل منظم يشتق من الموضوعات ذاتها لا مبدأ لحني صارم أو شكلي يقع خارج العمل". والحال، أن هذه هي الطريقة التي يقرأ بها إدوارد سعيد الأرشيف الإمبريالي إذ يقرؤه لا واحدياً، بل طباقياً.