كتاب حكمة سليمان بقلم القمص تادرس يعقوب ملطي ما هو الطريق للوصول الذي يقود الانسان لأمم والشعوب الى الارتقاء والتطور على المستوى الفردي او الجماعي وسواء كان ذلك في مجال الدين او العلم او التربية؟ وكيف السبيل لنيل اسمى هدف وغاية وهو رضا الله جل وعلا والقرب من أوليائه؟! كل هذه الأسئلة يجمعها جواب واحد.. إنه الاخلاص..(الاخلاص سر التقدم).. وهو عنوان كتاب لسماحة آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره).وقد أجاد الامام الشيرازي وأبدع كعادته في كل مؤلفاته..
كيف لا وهو العالم المربي والقائد القدوة وقد نشأ وترعرع في بيت الدين العلم والاخلاق.. ولا نأتي بجديد اذا قلنا انه موسوعة علمية وتربوية، فقد تجاوزت مؤلفاته 1300 كتاب وتناول فيها شتى المجالات من الحياة، وهو قبل كل ذلك المخلص في عطائه الفكري اذ يتجلى ذلك واضحا في هذا الكتاب الذي استطاع ان يسمو بنا الى ملكوت الله عز وجل و ينفذ الى قلوبنا بقوة.. فما يخرج من القلب يدخل الى القلب كما يُقال.وقد قدم الامام الراحل باسلوبه المعروف بالسهل الممتنع، افكار هذا الكتاب ومفاهيمه بقصصه المتنوعة وبأسلوب سلس يفهمه الصغير والكبير والعالم والجاهل واختار سماحته أقصر الطرق وأسرعها للتأثير في نفس المتلقي، بغض النظر عن طبيعة الانتماء او الفئة العمرية، فالحقيقة نلاحظ ان مضمون الكتاب الانساني يهم الجميع، لاسيما انه جاء في أسلوب قصصي مشوّق وبسيط وعميق ومقنع في وقت واحد، وهذا بالضبط ما يحبذه الجميع وتستسيغه العقول وتأنس له القلوب.وتتمحور القصص التي اوردها الامام الشيرازي، وهي حوالي 45 قصة، حول ميزة الاخلاص وهي صفة تجمع بين صفات وخصال ابطالها جميعا، وهم من الشعراء والادباء الذين استطاعوا الفوز في الدارين.. وكما يقول الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام): الاخلاص اعلى فوز.علما ان الامام الشيرازي كان يهمه كثيرا ان يصل مضمون الكتاب الى الجميع لاسيما شباب المسلمين، وقد بيّن سماحته في بداية هذا الكتاب بوضوح تام، معنى كلمة الاخلاص التي يرى أنها تمثل: تصفية السر عن ملاحظة ما سوى الخالق. ثم يشير سماحته الى اهمية الاخلاص، ليس من أجل الثواب الاخروي فقط، بل من اجل صلاح الدنيا ايضا، وجعلها في خدمة الانسان بالصورة الصحيحة.بعد ذلك يبدأ بسرد القصص التي تحمل في ثناياها كرامات بعض الشعراء من العرب والعجم، فسطع نجمهم في سماء الشعر ولم يخبو ابدا بسبب صدق اخلاصهم وتفانيهم في سبيل الحق، فكانوا بقصائدهم الخالدة نبراسا ينير دروبنا ودروب المسلمين اينما كانوا.وقد ذكر الامام الراحل في كتابه هذا، كثيرا من الكرامات التي نالها هؤلاء الشعراء، بعد ان ناصروا الله تعالى ورسوله واهل بيته بيدهم ولسانهم. ومنهم من أدرك الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) فمدحوه بكلماتهم وساهموا برفع راية الاسلام المحمدي الاصيل بمعلقاتهم، كما نلاحظ ذلك في النابغة الجعدي، وحسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة.ومنهم من عاصر اهل بيت النبوة صلوات الله عليهم. وتحملوا كل الاذى في سبيلهم مثل الكميت ودعبل الخزاعي والفرزدق بقصيدته الخالدة أبد الدهر في مدح الامام زين العابدين (عليه السلام)، ومن اجمل القصص التي تشد القارئ وتضيء الامل في النفوس الغارقة في بحر الآثام والمعاصي، هي قصص و سيرة حياة بعض الشعراء سيئي الصيت والذين انغمسوا في وحل الملذات والمحرمان، لكن رحمة الله أدركتهم فـ(الأمور بخواتيمها) ومنهم (الخليعي) الذي كان يبغض الشيعة وينصب الكمائن ويسرق زوار الحسين، لكنه تاب ببركة غبار زوار الحسين (عليه السلام).ومن منا لا يعرف ابو نؤاس.. شاعر الخمر.. وقد رزق بحسن العاقبة بفضل أبيات مديح لآل رسول الله واخرى في وصف زهرة النرجس. فهؤلاء مصداق لحديث امير المؤمنين (عليه السلام): الاخلاص أشرف نهاية.ويختتم الامام الشيرازي كتابه القيّم هذا، بجملة من آيات الذكر الحكيم حول الاخلاص.. بالإضافة الى وروايات واحاديث لأهل البيت عليهم السلام، وتكمن أهمية هذا الكتاب في الموضوع الذي يتناوله وهو الاخلاص الذي من دونه سيكون كل عمل لا قيمة له ويذهب هباءا منثورا، فضلا عن اسلوب التناول والتشويق، وطريقة العرض وتسلسل المواضيع المطروحة تباعا بصورة مترابطة، فأعطى ذلك نكهة خاصة لهذا الكتاب تتمثل بمتابعة القراءة ومواصلتها نظرا لوضوح الافكار واهميتها وسهولة العرض وعمق المضامين.واخيرا، لاشك أن القارئ سوف يجد في هذا الكتاب.. خلاصة تجارب لشعراء صدقوا ودخل الايمان في قلوبهم وترسَّخ حتى اصبح جبلا لا يهتز.. فخلدهم التاريخ ولم يطوِ الزمن اشعارهم ولن تنسى، فهؤلاء كرسوا قصائدهم من اجل ما هو أثمن واعلى شأنا، من مدح الملوك والسلاطين او التغني بحب معشوق زائل او بهجاء ورثاء وفخر دنيوي.. فتركوا كل ذلك وفازوا بالفخر الاخروي.