كتاب حكومة وأهالي وخلافه بقلم بهجت عثمان في هذا الكتاب مختارات من رسوم بهجت التي نشرت تعبيرا عن الثنائية الشهيرة "الحكومة والمواطن". وهي ثنائية ذات تاريخ في النفس المصرية، التي صكت مصطلح "حكومة وأهالي" وأضافت إليه من خبرتها وتجاربها ليتجاوز معناه الحقيقي ودلالته اللفظية الظاهرة. فهو مصطلح أقرب ما يكون إلى
معنى "السيد والفرفور" أو "المالك والأجير" أو "حائز السلطة ومن لا سلطان له". وقد اختار بهجت للتعبير عن هذه العلاقة الثابتة والمتغيرة، شخصية عسكري البوليس التقليدي، الذي يرتدي البدلة الميري، ويضع عدة شرائط على ذراعيه ويبرم شاربه كالصقر، ليكون ممثلا للحكومة في مقابل الفلاح المصري، بالزعبوط والصديري والقميص الدبلان نائبا عن الأهالي. وأسبوعا بعد آخر، وعددا بعد عدد، في جريدة الأهالي المصرية، بدءا من مايو 1982، استطاع بهجت، عبر المواقف التي تجمع هذين النمطين أن يفجر ضحكات لا حد لها على مجريات السياسة المصرية في العهد الذي نعيشه مقدما تنويعات شديدة الثراء، تتجاوز التعليق على الآني والعابر، للسخرية من الثابت والدائم والمستمر! واللافت للنظر، أن بطلي بهجت، متطابقات في الملامح، رغم اختلافهما في الزي، وليس معنى هذا أنه يلاشي الفروق بينهما، بل معناه الأعمق، هو أن بهجت ينظر إلى هذه الحكومة القاهرة الماكرة المتمتعة بكل خيرات الوطن، ليست في واقع الأمر سوى حكومة غلبانة مقهورة هي الأخرى- بقوى كونية اختارت أن تكون ذيلا لها وموضوع الخلاف بين "الحكومة" و"الأهالي" الذي يفجر الضحكات في هذه الرسوم، لا ينبع فقط من الذكاء في اختيار النمطين، ولا من التناقض بين ما يحتاجه كل منهما من الآخر، وهو يتجاوز الآني حيث تحتشد المشاكل بين الطرفين من الدعم إلى الأسعار، ومن الديمقراطية إلى تزوير الإنتخابات، ومن الديون إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ليطرح الثابت والدائم، وهو المنطق المختل للعلاقة بن السادة والمسودين، وبين أصحاب السلطة والخاضعين لها، وهي علاقة لا يقف بهجت موقفا محايدا تجاهها، لذلك ينجح الفلاح زي الزعبوط، في أن يفجر سخرينا من منطق وسلوك الحكومة على امتداد الصفحات..