إذا عجز الإنسان عن بلوغ هدفه، قد يُصاب بخيبة، ولكنها خيبة تختزن الأمل بالحصول عليه في فرصة أخرى أو بعد سعي، وإذا أخطأ وكانت النتيجة خسارة ما صبا لتحقيقه، فإنه قد يحاسب نفسه ويتحمل مسؤولية ذلك. أما إذا فقد الشيء بسبب عدم تذكره، فإنه في هذه الحالة لا يحتفظ بالأمل
ولا ينفع حساب النفس. ففقدان الذاكرة يصيب الإنسان بالأسى، ويترك إحساساً بعجز يحار المرء في تداركه. ولا يبقى له في هذا الحالة سوى أن يسجّل؛ إذ ليس من دواء ينفع أمام ضعف الذاكرة إلا التسجيل. هذا الهاجس يشغل عبد الرحمن منيف في أكثر من محطة له، وفي أكثر من كتاب، بل هو ملحّ دائماً على أصدقائه وعلى من يلتقيهم، أن يسجّلوا ويكتبوا، وقد كتب عبد الرحمن منيف العديد من المقدمات لكتابات ذات طابع تسجيلي، كتبها أصدقاء، ونُشرت بمساعدة أو بإلحاح منه. وهو نفسه قام بذلك مرّات في كتاباته، بل إنه يمكن القول إن هاجس تسجيل ما يحصل في مرحلة ما، كان يقف خلف أعمال روائية كبرى كتبها، ولعلّ أبرزها "مدن الملح"، التي حاول فيها تسجيل مرحلة التحول من حياة البداوة إلى عصر النفط، وكذلك "أرض السواد" التي سجّل فيها مرحلة من مراحل الصراع مع الاستعمار الإنكليزي، كما سجّل نمط الحياة في العراق وصورة الشخصيّة العراقية. وفي معظم رواياته لم يكن حضور التاريخ يهدف إلى تحديد زمن الرواية، بل كان مناسبة لتسجيل أحدا وقراءة مرحلة. تبدو كتابات عبد الرحمن منيف المتأخرة، منذ "عروة الزمان الباهي" مروراً بـ"لوعة الغياب" و"رحلة ضوء" وكأنها تهجس بأن ينجز هو نفسه ما يطالب الآخرين به، ويأتي كتاب "ذاكرة للمستقبل" ليسجّل شهادات حول محطّات وأشخاص يعيشون في ذاكرته، ولا بدّ من تسجيل ذلك ليبقى للمستقبل