كتاب رسالة في معنى المولى

تأليف : الشيخ المفيد

النوعية : الفكر والثقافة العامة

كتاب رسالة في معنى المولى بقلم الشيخ المفيد رسالة في معنى المولى تأليف الامام الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان ابن المعلم ابي عبد الله العكبري البغدادي (336 - 413 ه‍) تحقيق الشيخ مهدي .[ 3 ]بسم الله الرحمن الرحيم لكلمة " المولى " دور كبير في بحوث "

 الامامة والخلافة " لورودها في واحد من أهم ما استدل الشيعة به على إمامة أهل البيت عليهم السلام وكل حديث الغدير. وأهمية حديث الغدير ينبع من التسالم على قبول وروده، وصحة روايته، وتواتر نقله، بما لا مجال للبحث والجدل فيه من حيث الاسناد. فهو حديث مجمع على نسبته إلى كلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهو قوله: " من كنث مولاه فعلي مولاه ". واستندت الشيعة منذ القدم إلى مدلوله المحتوى على كلمة " مولى " على عقيدتها، وأشبع علماؤها ومتكلموها البحث والاستدلال على صحة ما تعتقده، ومنهم الشيخ المفيد في كثير من كتبه، إلا أنه خصص للبحث عن هذه الكلمة رسالتين: احداهما: أقسام المولى في اللسان: بحث فيها لغويا، وسلك مسالك علمية متقنة لاثبات أن المعنى المراد في الحديث هو الامامة، وقد تحدثنا عنها في هذه النظرات. --------------------------------------------------------------------------------[ 4 ]الثانية: رسالة في معنى المولى، وهي هذه الرسالة التي نقدم لها، وقد املاها الشيخ على أثر نقاش حصل له مع متكلم معتزلي من جماعة (البهشمية) المنسوبة إلى ابي هاشم الجنائي، حيث أنكر دلالة لفظ " المولى " على الامامة، لانكاره كون الامامة من معانيها أصلا لغة. وقد رده الشيخ المفيد، بإثبات أن الامامة من المعاني اللغوية للكلمة، بل هي الاصل، والمعنى الموضوع له، والحقيقي للكلمة، بنفس الطريقة التي اتبعها في الرسالة الاولى " أقسام المولى في اللسان ". فاستشهد بأشعار كبار الشعراء من الصحابة وغيرهم، ممن يحتج بكلامهم في معرفة اللغة ودلالاتها. وأضاف هنا الاستدلال بالفهم اللغوى المعاصر، مستندا إلى اتصال هذا الفهم إلى زمان الرسول صلى الله عليه وآله، وذلك حيث يروي الشيعة بأجمعها عن أسلافها - وليس يمكن دفع اكثرهم عن الفصاحة - إلى أن ينتهي إلى عصر رسول الله صلى الله عليه وآله، أن الذي جعله الرسول لعلي عليه السلام في يوم الغدير هو الامامة، وأن الذي ضمنته لفظة " المولى " هو: الرئاسة. ويمكن أن يعتبر هذا الاستدلال، تمشيا مع الرأي الذي يشكك في كفاية الاستناد إلى الفهم المعاصر من ألفاظ اللغة، لاستناده إلى المعصوم عليه السلام، مع بعد الزمان، وتقلب المفاهيم اللغوية على الدوام. فان اتصال هذا الفهم من عصرنا، إلى عصر الرسول صلى الله عليه وآله يكفي دليلا على عدم تغير وضع الكلمة. مع أن هذا الرأي باطل أساسا، لانه يؤدي إلى سد باب اللغة وتعطل النصوص، لعدم الدليل على اتصال كل معنى ومفسدة بديهية كهذه تكفي للرد --------------------------------------------------------------------------------[ 5 ]على تلك الشبهة. مع أن أصالة عدم النقل تكفي للرد عليها كما هو موضح في محله. وأضاف الشيخ المفيد في هذه الرسالة استدلالا آخر هو الاحتجاج بكلام أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم واجماعهم على دلالة " المولى " على الامامة، فقال: " أهل بيت رسول الله عليهم السلام جميعا يدعون ذلك و يصححونه، ويعتمدون عليه في إمامة أبيهم أمير المؤمنين عليه السلام، وليس يمكن عاقلا دفع أحد منهم عن العلم بالعربية والاضطلاع باللغة، إذ كانوا أهلها، وعنهم أخذ أكثرها. ولقد كان أهل البيت عليهم السلام في طليعة الذين اهتموا، فبذلوا " اهتماما عديم المثيل بواقعة الغدير، وحديثه ودلالته، ويومه، فاعتبروه شارة الحق وميقاته، فكان الغدير من أقوى الادلة على إمامة علي والائمة من آل محمد عليهم السلام، به يستدلون، وإليه يرشدون، يشيدون به باعتبار أنه من أكبر الاعياد الاسلامية حيث تمت فيه نعمة الله، وكمل دينه، واصبح الاسلام دينا مرضيا. وهم يتناقلون خبره، فكانت روايتهم لحديث الغدير من أضبط نصوصه وأقوى طرقه، وأوثق أسانيده. وأوضحوا معالم دلالته، بإيراد نصه الكامل، المحفوف بقرائن تبين مراداته وتكشف ابعاد معانيه ". (1) --------------------------------------------------------------------------------(1) انظر تفصيل هذا البحث في مجلة " تراثنا " العدد (21) الخاص بيوم الغدير سنة 1410 بمناسبة مرور (14) قرنا على ذكرى عيد الغدير الاغر: ص 10 و 60 - 80 من مقال: الغدير في حديث العترة الطاهرة، وراجع الغدير للاميني (1 / 197 - 200).--------------------------------------------------------------------------------[ 6 ]ثم إن ذلك المناظر اعتمد على عدم ذكر بعض أهل اللغة لمعنى " الاولى بالتصرف " في معاني " المولى ". فرده الشيخ المفيد: أولا، بأن انفراد بعض أهل اللغة بشئ لا يكفي دليلا على اللغة، إلا إذا اتفق الكل على ذلك فيكون حجة. وثانيا، عدم ذكر البعض للمعنى، لا يدل على إنتقاء المعنى حتى عنده، فاولئك لم يذكروا معنى " الاولى " ولكن لم ينفوه، ولم ينكروا على من أثبته، بينما غيرهم من أصحاب اللغة والشعراء الفصحاء أثبتوه. " ولا خلاف " كما قال الشيخ " بين أهل العلم: أن المثبت في هذا الباب وأشكاله أولى من النافي " لان من يعلم حجة على من لا يعلم. ثم دخل الشيخ في نقاش حول حجية كلام الكميت في مثل هذا، وذكر هنا نفس ما اورده في الرسالة الاولى حول ذلك، ومما قال: وليس يجوز على الكميت مع جلالته في اللغة العربية - وضع عبارة على معنى لم توضع عليه قط في اللغة، ولا استعملها قبله فيه أحد من أهل العربية،.، لانه لو جاز ذلك عليه جاز على غيره ممن هو مثله وفوقه ودونه، حتى تفسد اللغة بأسرها، ولا يكون لنا طريق إلى معرفة لغة العرب على الحقيقة، وينغلق الباب في ذلك. وقال أيضا: وهذا هو الذي قدمناه من غلق باب اللغة، والحيلة من إفساد الشريعة. ثم عقد الشيخ فصولا: --------------------------------------------------------------------------------[ 7 ]تحدث في الاول منها عن احتمال الجهل، أو العناد، أو التأول حسب الاعتقاد، في اصحاب اللغة والشعراء المعتمد عليهم. وقد دفعه الشيخ بأن هذا يؤدي إلى سد باب العلم باللغة، ويؤدي إلى إهمالها، وقد كرر الشيخ هذا المعنى. وفي الثاني: ذكر الشيخ شاهدا من كتاب " غريب اللغة " لابي عبيدة حيث فسر قوله تعالى " هي مولاكم " بقوله: أي أولى بكم، واستشهد بشعر لبيد، فقال الشيخ: لولا أن أبا عبيدة لم يخطر بباله - عند تفسير هذه اللفظة بهذا - ما للشيعة من التعلق في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام، لما صرح به، ولكتمه كسلفه وإخوانه، ومضى على سنتهم. وفي الثالث: ذكر اعتراضا في الاستشهاد بكلام الكميت حاصله: أن من المحتمل أن يكون الكميت إنما استفاد معنى الولاية لعلي عليه السلام من تسليم الناص عليه بإسرة المؤمنين، لا من قوله صلى الله عليه وآله: " من كنت مولاه " فلم يتم الاستدلال على أن " المولى " بمعنى " الاولى ". فأجاب الشيخ عن ذلك: اولا: إن هذا يدل على بطلان ما يزعمه العامة من أن أول من قال بالوصية بالنص، هو ابن الراوندي، وأن الشيعة تبعته في دعوى النص. وهذا الزعم يلتزم به العامة قاطبة، ويستغرون الجهال به، لاسيما شيخهم أبو علي الجبائي، فانه يعتمد عليه. وثانيا: ان حديث التسليم على أمير المؤمنين عليه السلام بالامرة والولاية إنما هي واردة في ذيل حديث الغدير، وانها عقيب قوله صلى الله عليه وآله " من --------------------------------------------------------------------------------[ 8 ]كنت مولاه فعلي مولاه " أمر الامة - حينئذ - أن تقر له بمعنى ما جعله له بلفظ " المولى " فقال: سلموا عليه بإمرة المؤمنين. فكان ذلك كشفا عن معنى لفظ " المولى، وتفسيرا له، وتأكيدا على مقصوده منه. وثالثا: إن حديث الغدير متواتر مذكور، والاستدلال به معروف مشهور، وليست سائر الادلة على الامامة بمنزلته في الشهرة، فلا يمكن لشاعر مثل الكميت أن يترك الاستناد إلى المعروف، ويستند إلى غيره، فان هذا غير متعارف بل لا يقدم عليه احد، فضلا عن مثل الكميت في ذكائه ومعرفته. وفي خلال الرسالة فوائد عديدة: 1 - منها: أن الراوندية من الفرق جعلوا التفضيل علامة للامامة، واعتقدوا إمامة أمير المؤمنين عليه السلام من جهة فضله - فيما زعموا - على الكل، لا من جهة النص. 3 - ومنها: الاعتماد على القرينة الحالية - الخارجية - في فهم معاني الالفاظ، مثل ما صنعه في معرفة مراد الكميت، وأنه إنما استدل بحديث الغدير دون غيره، لما ذكره من أن شاعرا نابها مثله لا يترك المشهور المعروف ويستدل بغيره. فليلاحظ. والحمد لله ولي الحمد.

شارك الكتاب مع اصدقائك