كتاب عمارة الحداثة في بغداد

تأليف : خالد السلطاني

النوعية : التاريخ والحضارات

كتاب عمارة الحداثة في بغداد: سنوات التأسيس بقلم خالد السلطاني.. يكتب المؤلف في مقدمة كتابه” تمثل الحداثة في العراق، الحداثة، بكل اجناسها المتنوعة، انجازاً معرفياً هاماً ومميزاً، اجترحه ابناء وبنات العراق. وقد اعتبرت حصيلة تلك الحداثة. ونتائجها، من قبل كثر، بمثابة إضافة حضارية يفتخر المجتمع العراقي، تقديمها الى الانسانية، في مسعى وراء إثراء ذخيرة البشرية المعرفية. ولعل المنتج المعماري الحداثي البغدادي (والعراقي عموما)، هو المنتج الابرز (وربما الأهم)، في ذلك الجهد المعرفي الفاخر.

 ذلك لأن طبيعة اساليب الحلول التكوينية – الفضائية لذلك المنتج المعماري، وتوافق تلك الحلول مع إشتراطات البيئة المحلية، مع الاخذ في نظر الاعتبار خصوصية “روح المكان” ولغته التصميمية المتفردة، فضلا على جدته وجديده، كل ذلك يسوغه لأن يتبوأ مثل تلك المرتبة المتقدمة في الانجاز الحداثي العراقي.
ولكن، ما ذا يعني، اولا، مفهوم عمارة الحداثة في بغداد؟
بعيـداً عن الغور في تقصي مفردات هذا المفهوم، فان عمارة الحداثة في بغداد – هو ذلك النشاط البنائـي الذي بدأ يظهر جليـاً في المشهد المعماري البغدادي والعراقي ، اعتباراً من عشرينات القرن الماضي، اي بالتساوق مع تأسيس الدواـة العراقية في اوائل خريف 1921، وكان ظهوره متسماً بالجدة والاختلاف، وحتى القطيعة عن سياق الممارسة البنائية السابقة لـه.
لم يقتصر المفهوم الموضوعي لعمارة الحداثة في بغداد، على ما تم تحقيـقه من منجزات بنائية ملموسة وواقعية، وانما شمل ايضاً ما تمٌ تداوله من افكار ومخططات ومواضيع بنائيـة لم يتم انجازها. واذ يعرف احد الالمـان <التاريخ> كونـه “حاصل الممكنات التى تحققت”؛ فان تاريخ عمارة الحداثة البغدادية والعراقية عموماً، ووفقاً لهذا السيـاق، لا يعني “فقط” حاصل ممكنات المبانـي التى تحققـت”، بـل يعني كذلك “حاصل ممكنات المبانـي التى لـم تحـقق، وكان يمكن لـها ان تتحـقق”؛ انـه لا يعنـي مـا”كان” فحسـب، بل ايضـاً ما “كان ينـبغي ان يكـون ..” !
فهذا التاريخ يغطي جميع المنشاءات المبٌنيـة وكذلك المشاريع التي لم تنفذ وظلت رسومها تخطيطات اوليه Sketches لعمائر مصمّمة ورقياً. انه يشمل انجاز البنائيين، والحرفين الشعبين والمعماريين العراقيين، جنباً الى جنب أفكارهم وطموحاتهم وحتى إدعـاءاتهم، اي ان هـذا المفـهوم يدمــج في طياتـه المتحـقق، والمعرفي (الابستـمولـوجـي) Epistemology، وحتى الوجداني.
يمكن تحديد مرحلتين مميزتين وهامتين شكلتا مفهوم ومضمون عمارة الحداثة في بغداد، وهمـا :
لمرحلـة الاولـى – التي تمتد من العشرينات وحتى بدايـة الاربعينات؛
والمرحلـة الثـانية – تبدأ من الحرب العالمية الثانية وحتى نهاية الخمسينات .
ان هاتين المرحلتين هما اساس عمارة الحداثة في بغداد و في العراق، واستند التطوٌر اللاحق لمسار العمارة في بغداد وفي عموم الـبلاد على منجزات تينيـك المرحلتين. والكتاب يسعى وراء تعقب نتاج هاتين المرحلتين، ويطمح ان يقدم خيرة نماذجها المصممة وغير المصممة، كما يؤشر اهمية تلك النماذج وقيمتها في بلورة مفهوم الحداثة وتكريسه في المشهد المعماري المحلي.
ومع الاخذ في نظر الاعتبار، من ان كتابات وحتى أدبيات عمارة الحداثة المعمارية في بغداد او في العراق عموما، لم تكن رائجة او منتشرة في الخطاب المعرفي المحلي، فان هذا الكتاب ينشد ان يكون مرجعا لتلك المرحلة المهمة من تاريخ العراق المعماري. وبالطبع، ستكون هناك مراجعات واضافات وتصويبات يمكن للقراء ان يسهموا فيها في طبعات لاحقة، لتتم الفائدة المرجوة من نشر الكتاب.
ولاجل تغطية شاملة وموضوعية لثيمة الكتاب، فقد تم تقسيمه الى ثلاثة فصول، ينشد المؤلف من خلال نصوصها الى متابعة جادة لما انجز سابقا. بالطبع لا يضع الكتاب لنفسه هدفا ان يكون كتابه سجلا توثيقيا كاملا لما تحقق خلال الفترة التى يتعاطي الكتاب مع موضوعها. ستكون هناك امثلة مصطفاة، يمكن لها ان تمثل خير تمثيل مختلف النجاحات المعمارية التى انطوت عليها الفترة المدروسة. وحتى يمكن تتبع وتأشير منجز عمارة الحداثة في بغداد، يتعين ان نرى، ولو بعجالة، ماذا كانت طبيعة العمارة البغدادية خصوصيتها وإنجازاتها، قبل التغييرات الدراماتيكية، التى اشرت لظهور الحداثة المعمارية، والتى كما اشير سابقا، تساوق تأسيسها مع نشوء الدولة العراقية الحديثة. وسيكون الفصل الاول معني في إضاءة هذا الجانب من تاريخ العمارة البغدادية. اما الفصل الثاني فهو مكرس للمنتج المعماري الحداثي ضمن فترة زمنية تمتد عقدين ونيف من العشرينات وحتى منتصف الاربعينات, يليه الفصل الثالث الذي يتناول عمارة الخمسينات، وهي الفترة الثانية المؤسسة لعمارة الحداثة البغدادية، كما سيغطي هذا الفصل انجاز المعماريين الاجانب الذي تم دعوتهم للمشاركة في اعمار بغداد. وهي مشاريع، وان لم يتحقق معظمها، فانها تظل محتفظة في أهميتها وتأثيراتها في تكريس قيم الحداثة المعمارية في المشهد المعماري المحلي.
تجدر الاشارة الى القسم “التصويري” من الكتاب. لاشك، أن الصورة، لها أهمية كبيرة في ايصال المعلومة المطلوبة. وتعد الصورة “المعمارية” من أهم الوسائل التى يمكن بها تقديم الفعل المعماري للمتلقي بصورة واضحة وسريعة وبمصداقية عالية. ثمة غياب كبير في هذا الجانب، جانب حضور الصورة المعمارية، ينطوي عليه مسار المنجز المعماري العراقي الحداثي. ليس من ثمة “ارشيفات” موثقة عامة او خاصة، تتعاطي مع هذا الحدث. كما لا يوجد مصوريين محترفيين معنيين في توثيق الواقع المعماري. هناك محاولات فردية من قبل المعماريين وبعض المصوريين، مهتمة في هذا الجانب، لا يمكن لها ان تسد هذا الفراغ المعرفي. وحتى بوجود هؤلاءـ فأن الدخول ومعاينة تلك الوثائق، ظل عملا يشوبه كثير من التعقيد وعدم الوضوح. يشار الى هذا الامر هنا، لتسويغ “غزارة” المادة المصورة المنشورة في الكتاب، والتى عدت”وثائق” هامة، الى جانب النص المكتوب، في تأشير منجز عمارة الحداثة البغدادية. لقد حاول المؤلف، جاهداً، ومع طلابه، وعبر سنين طويلة، (بل عقود من السنين!)، الى توثيق بعض من نماذج منتج ذلك المسار المهني الرائع، رغم العقبات والمنغصات، وما اكثرها، في بغداد اليوم، (وفي الامس..ايضاً) خصوصاً، وانت “تشهر” كاميرتك التصويرية، في شوارعها! بعض تلك الصور تم اقتنائها من مصادر متنوعة، على مدى سنين عديدة. وبعضها الآخر، صورها المؤلف شخصيا. ونأمل بانه سيأتي اليوم الذي تحفظ فيه نماذج عمارة الحداثة البغدادية والعراقية عموماً، في سجلات موثقة، تكون محتوياتها متاحة للجميع، وخصوصاً، لدارسي هذا المنجز المعرفي العراقي المهم”.
يشار بان الكتاب قدم قبل سنة تقريبا الي وزارة الثقافة العراقية لطبعه ضمن منشورات <بغداد: عاصمة الثقافة العربية>. بيد ان الاجراءات الروتينية المتشعبه و”الغامضة” في الوزارة، حالت دون طبعه ونشره، ما حدا بالمؤلف الى سحب الكتاب من الوزارة، وطبعه على نفقته الخاصة؛ لما يراه من امكانية الحصول على فائدة ما، جراء نشره وطبعه وتوزيعه لمتلقيين، يطمحون لاثراء ثقافتهم، عبر التعرف على حقل معرفي خاص، لم تر الوزارة اياها، وفقاً للنزعة “الشعبوية” الطاغية فيها والمسيطرة على ذهنية مسؤوليها، اي باعث لنشر مثل هذا الكتاب او تبني موضوعه. 

شارك الكتاب مع اصدقائك