كتاب قوت المغتذي على جامع الترمذي

جلال الدين السيوطي

العلوم الاسلامية

قال الحافظ أبو الفَضْل ابن طاهـر في كتاب ’شُـروط الأئمة‘: لم يُنقل عن واحدٍ من الأئمة الخمسة أنه قال: شَرطتُ في كتابي هذا أنْ أخرج على كذا، لكنْ لمَّا سُبرت كتُبهم عُلم بذلك شرط كلِّ واحدٍ منهم، فشرط البُخاري ومسلمٍ أنْ يُخرجا الحديث المُجمع على ثقةِ نقَلتِه إلى الصحابي المشهور، وأما أبو داوُد والنَّسائي،

 فإنَّ كتابَيهما ينقسم على ثلاثة أقسام: الأول: الصَّحيح المخرَّج في ’الصحيحين‘. والقسم الثاني: صحيحٌ على شرطَيهما. وقد حكى أبو عبدالله ابن مَنْدَهْ أنَّ شرطهما إخراج أَحاديثِ أقوامٍ لم يُجتمع على تَرْكها إذا صحَّ الحديث باتصال الإسناد من غير قطْعٍ ولا إرسالٍ، فيكون هذا القِـسْم من الصَّحيح، إِلاَّ أنَّه طريقٌ لا يكون طريق ما أخرج البخـاري ومسـلم في ’صحيحيهما‘ بل طريقُه طريقُ ما ترَك البخـاري ومسـلم من’الصحيح‘ لمَا بيَّنَّا أنهما تَركا كثيراً من الصحيح الذي حفِظاه. والقسم الثالث: أحاديث أَخرجاها من غير قطعٍ عنهما بصحتها، وقد أَبانا علَّتها بما يفهمه أهل المَعرفة، وإنما أَودعا هذا القِسم في كتابَيهما لروايةِ قومٍ لها، واحتجاجهم بها، فأَوردَاها، وبيَّنا سُقمها لتزول الشبهة، وذلك إذا لم يَجد له طَريقاً غيره؛ لأنَّه أَقوى عندهما من رأْي الرجال. وأما أبو عيسى التِّرْمِذي فكتابه على أربعة أقسامٍ: قسمٍ صحيحٍ مقطوعٍ به، وهو ما وافَق البخاريَّ ومسلماً. وقسمٍ على شرط أَبي داوُد والنَّسائي كما بيَّنا في القسم الثاني لهما. وقسمٍ آخَر كالقسم الثَّالث لهما أخرجه وأَبان عن علَّته. وقسمٍ رابعٍ أبانَ هو عنه، وقال: ما أَخرجتُ في كتابي إلا حديثاً قد عمِلَ به بعض الفُقهاء، فعلى هـذا الأَصـل: كلُّ حديثٍ احتجَّ به مُحتَجٌّ، أو عمِلَ بموجَبه عاملٌ أَخرجه سواءٌ صحَّ طريقه أم لم يَصِحَّ، وقد أزاح عن نفسه، فإنَّه تكلَّم على كل حديثٍ بما فيه، وكان مِن طريقه أنه يُترجِم البابَ الذي فيه حديثٌ مشهورٌ عن صحابيٍّ قد صحَّ الطَّريقُ إليه، وأُخـرج حديثه في الكتُب الصحاح، فيُورد في الباب ذلك الحكم من حديث صحابيٍّ آخَر لم يُخرجوه من حديثه، ولا يكون الطَّريق إليه كالطَّريق إلى الأوَّل إلا أنَّ الحكم صحيحٌ، ثم يُتبعه بأن يقول: وفي الباب عن فلانٍ وفلانٍ، ويَعُدُّ جماعةً منهم الصحابي الذي أَخرج ذلك الحكم من حديثه، وقلَّ ما يسلُك هذه الطريق إلا في أبوابٍ معدودةٍ، انتهى. وقال الحَازِمي في ’شروط الأئمة‘: مذهب مَن يُخرج الصحيح أن يَعتبر حالَ الرَّاوي العدل في مَشـايخه، وفيمَن روى عنهم، وهـم ثقاتٌ أيضاً، وحـديثُه عن بعضهم صحيحٌ ثابتٌ يَلزم إخراجه، وعن بعضهم مدخولٌ لا يصح إخراجه إلا في الشَّواهد والمُتابَعات.
 

شارك الكتاب مع اصدقائك