كتاب ما فاض عنهم وما تبقى مني بقلم محمود قحطان ....هذا هو الديوان الثَّاني للشَّاعر محمود قحطان. وقد كان ديوانُهُ الأولُ قادرًا على أن يكشفَ عن موهبةٍ قادرةٍ على التقاطِ تفاصيل الواقع شعريًّا. وقليلٌ هم الشُّعراء الذين يُلفتون انتباه القارئ من خلالِ بداياتهم الشِّعرية. ورغم هذه الإشارة المحتفلة بهذا المبدع. فما أحوجَ الشَّاعر مبتدئًا كان أو متمرِّسًا إلى
متابعةِ السَّفر في عوالمِ الشِّعر اللانهائية، واعتبار ما يكتبه من قصائد مجرَّد محاولاتٍ وظيفتُها الأولى تعميقُ الموهبة وشحذُ عزيمةِ المبدعِ والانتقالُ به من هامش الشِّعر إلى مَتْنٍهِ، ومن حوافِّهِ وأطرافِهِ إلى أعمقِ أعماقهِ. وإذا توهَّم الشَّاعرُ سواء أكان في بدايةِ الطريق أمو في القربِ من نهايتها بأنَّهُ قد أَوْفَى واستوفى فإنَّهُ يكون قد خانَ موهبتَه وخانَ الشِّعرَ أيضًا.وأمَلِي في الشَّاعر محمود قحطان أن يظلَّ على تواضعهِ مؤمنًا بأنَّهُ مازال يبحثُ عن مدخلٍ إلى القصيدةِ التي يحلم بكتابتها. ، وأنَّ كل قصيدة مُنجزة سوف تسلمهُ إلى قصيدةٍ في طورِ الإنجاز،. وتجربتي الطويلة مع عددٍ من الشُّعراءِ الشبَّان تجعلني أقول إنَّهم يبدؤون كبارًا ثمَّ ينتهون صغارًا. وهو عكس ما ينبغي أن يكون، حيث يبدأ الشَّاعرُ صغيرًا ثمَّ يكبر. وسبب ما يحدث في واقعنا للبعض من الشُّعراء المبدعين؛ أنَّهم ما يكادون يضعون أقدامَهم على طريقِ الشِّعر –وهي طريق طويلة- حتَّى يهملوا القراءة وينصرفوا عن متابعةِ التجربةِ الشعرية سواء في بلادنا والوطن العربي أو العالم معتمدين على إنجازهم المحدود. ، وهو إنجازٌ –مهما كان حظَّه من النجاحِ- لا يخرج عن كونهِ الخطوةَ الأولى التي يبدأون يبدؤون منها رحلةَ السَّفرِ الطويلِ.والمقارنةُ العابرةُ بين الديوانِ الأولِ لمحمود قحطان وديوانِه الجديد تيُثبت حرصَه على أن يتفوَّقَ على نفسه، وأن يتجاوزَ ماضيه في رؤيةٍ صاعدةٍ نحو المستقبل. وكما شدَّني، بل أسرني عنوانُ ديوانه الجديد (مَا فاضَ عنْهُم.. ومَا تَبقَّى مِنِّي). فقد شدَّني وأسرتني –أيضًا- معظمُ قصائد الديوان ومنها القصيدةُ التي صار عنوانُها عتبةً للديوان:ذهبَ الَّذين أحبُّهمْمن بعدِهم، وأنا أُمارسُ لعبةَ الصَّبرِ المعتَّقِ بالمدادْفلنصفُ إحساسي صهيلْوالنِّصفُ خيباتٌ.. دوارٌ مستحيلْولقد تلوحُ بشاشةٌ وسْطَ الرُّكامْلكنَّ ليلي موحشٌفوقَ السَّريرِ غمامةٌبالأسفلِ الآنَ احتضارْالليلُ يُورقُ بالبُكاءْ!لقد استقبلتُ الديوانَ الأول للشَّاعر محمود قحطان بمجموعةٍ من الإشاراتِ المتفائلةِ وختمتُها بالإشارةِ إلى أنَّهُ يُعدُّ بدايةً مسكونةً بقلقٍ عاطفي شفيف وبروحٍ إنسانيةٍ بالغةِ الرِّقةِ والرَّهافةِ. والأملُ معقودٌ في أن يتواصلَ إنجازُ الشَّاعرِ وتطورُه المتصاعدُ وأن يولي اللغةَ والإيقاعَ ما يستحقَّانه من جهدٍ وإصرار لتجنُّبِ الهناتِ والعثراتِ الصغيرةِ التي لا يسلمُ منها إلاَّ كبارُ الشُّعراءِ.الشَّاعر، د. عبدالعزيز المقالحمستشار رئيس الجمهورية اليمنية الثقافي