: ماذا لو قام طالب بإحدى مراحل التعليم المدرسية بكتابة رأيه الشخصي ورؤيته الخاصة-المخالفة لما جاء بمنهج الوزارة-لواقعة أو شخصية تاريخية في سؤال متعلق بهذا الموضوع في امتحان مادة التاريخ؟ ما النتيجة المنتظرة لذلك؟ الإجابة الصحيحة: لن يحصل على درجة السؤال،
ولو فعل هذا بباقي إجابات الاختبار فسوف يرسب بجدارة حتى وإن كانت إجاباته تستند لكتب ومراجع وقراءات تاريخية تفوق تلك التي لمن وضعوا المنهج أنفسهم ثراء وعمقا وتوسعا.. في هذه الواقعة التخيلية تتلخص كارثة منهج التاريخ المدرسي، والذي يعتبر جزء من السياسة التعليمية العتيدة غير الهادفة لإخراج إنسان مفكر متسع الأفق، بل هي تسعى لانتاج "المواطن الصالح" الذي يتعلم منذ الصغر أن يسمع كلام واضعو المنهج الذين يسمعون كلام واضعو السياسات التعليمية الذين يسمعون بدورهم كلام واضعو سياسات الدولة، وإلا فإن مصيره المحاصرة بالفشل والخسران المبين! نخرج من هذا بنتيجة بسيطة ومباشرة: أن المنهج المفترض منه أن يعلم الطلاب تاريخ بلادهم هو في حقيقة الأمر منهج لتجهيلهم بكل ما يتعلق بهذا التاريخ.. فمن يعرف كثيرا يسأل أكثر، ومن يسأل يناقش، ومن يناقش يعارض.. ومن يعارض "يمرق" عن الجماعة الوطنية والعياذ بالله.. أي أن كتاب التاريخ المدرسي ما هو إلا إحدى الأدوات الرسمية للقمع الفكري وفرض السيطرة..أجل.. فالقمع ليس دائما متجسدا في عصا الأمن وقنبلة الغاز ..بل أن الأخطر من كل ذلك القمع بالأفكار.. وأي خطة للسيطرة أقوى من العبث بقراءة الناس للتاريخ ورؤيتهم له؟ من قرأوا رواية 1984 للكاتب البريطاني جورج أورويل يدركون مدى خطورة ذلك.. تراني أبالغ؟ لا بأس.. هذا حقك.. دعني إذن أطلب منك أن تقرأ هذا الكتاب.. لتقرر بنفسك نصيب كلامي من المبالغة أو الصحة..