كتاب يوميات نزيلة في المشفى بقلم سلمى الغزاوي..رفعت رأسي لألقي نظرة أخيرة على المكان الذي أمضيت فيه أحلك أيام حياتي و الذي عشت فيه كابوسا استمر 26 يوما، 26 يوما من الألم، الإهمال، سوء المعاملة و العذاب...لكن الغريب في الأمر أنني لم أفرح كثيرا بعد مغادرتي للمشفى في ذلك اليوم، بقيت صامتة أراقب الشوارع من نافذة السيارة، لست أدري لماذا خُيل لي أن كل الشوارع و كل مظاهر الحياة قد تغيرت فجأة في مدة وجيزة، كان في داخلي محيط عميق من أحاسيس متناقضة أبرزها قليل من الفرح الممزوج بكثير من الأوجاع و كذا بالخوف مما تخبئه لي الأيام القادمة، اكتشفت أنني لم أعد كما كنت من قبل، و كأنني أصبحت إنسانة جديدة بشخصية مختلفة تماما،
في كل يوم كنت أبذل جهدا كبيرا لأتعرف على هذه الشخصية الغريبة التي خرجت من رحم المعاناة، رغم إجماع كل أفراد اسرتي على أن ملامح شخصيتي لم تتغير، وحدي كنت أشعر بتغيري..يقال إن كل تجربة حياتية صعبة تترك بصماتها الواضحة وآثارها في أعماقنا، في حالتي، الدنيا قلبت حياتي رأسا على عقب و غيرت المسار الذي كنت أخطه لنفسي جذريا، و شهر واحد جعلني أغير نظرتي إلى العديد من الأشياء التي كانت تمثل من قبل ثوابت راسخة بالنسبة إلي، كحب الناس لي و اهتمامهم بي، أدركت متأخرة جدا أنني كنت ساذجة حد الغباء مع من كنت أحسبهم أقاربي و أصدقائي، مرت عليّ لحظات كنت أتمنى فيها لو أنني فقدت ذاكرتي بعد العملية كي أنسى كل من خدعني، استغلني، خانني، ظلمني ، أساء إلي و لم يقف إلى جانبي في محنتي..