ماركوس أوريليوس: الإمبراطورُ الوَرِع، الذي استطاعَ أن يُحقِّقَ العدل، ويَنشرَ الأمنَ في أرجاءِ الإمبراطوريةِ الرومانية.
وُلدَ «ماركوس أوريليوس أنطونيوس أوغسطس» عامَ ١٢١م لأسرةٍ أرستقراطية؛ مما سَمحَ له بالتدرُّجِ في العملِ السياسيِّ حتى استطاعَ أن يكونَ عضوًا في مجلسِ السناتو، ولِذكائِه وحُسنِ خُلقِه تبنَّاه الإمبراطورُ «أنطونيوس بيوس»، ثم زوَّجَه من ابنتِه «فاوستينا»، ثم أعلَنَه مع أخيه «لوسيوس فيروس» وليًّا للعهد. واستمرَّا يَحكمانِ الإمبراطوريةَ الرومانيةَ معًا خلالَ الفترةِ من ١٦١–١٦٧م؛ حيث تُوفِّيَ أخوه ليتولَّى ماركوس أوريليوس الحُكمَ وَحدَه. كانَتِ الإمبراطوريةُ تُعاني من أزماتٍ على كافةِ الأصعِدة؛ حيثُ انتَهكَ الجرمانُ حدودَ الإمبراطوريةِ في الشمال، ومن الشرقِ احتلَّ الفرسُ بعضَ الولاياتِ الرومانية، إضافةً إلى انتشارِ الطاعون، وتردِّي الأوضاعِ الاقتصادية؛ وعلى المستوى الشخصي، تآمرَتْ عليه زوجتُه وقائدُ جيشِه. إلَّا أن كلَّ هذا لم يَفُتَّ في عَضُدِه وظلَّ يُحارِبُ ليُحقِّقَ للإمبراطوريةِ السلام؛ فانتصرَ على الفُرسِ والجرمان، وقضى على الأزمةِ الاقتصاديةِ بعدما وَقفَ إلى جانبِ الفُقراء، حتى عدَّه البعضُ آخِرَ أفضلِ خمسةِ أباطرةٍ رومانٍ على الإطلاق.
في التاريخِ القديم، بل ربما في التاريخِ كُلِّه، لا يُوجَدُ إمبراطورٌ فيلسوف، إلَّا أنَّ أوريليوس برأيِ البعضِ قد استطاعَ أن يُحقِّقَ نظريةَ أفلاطون التي أكَّدَ فيها أنَّ أمورَ البشريةِ لن تَنصلِحَ ما لم يَتفلسَفِ الحاكمُ أو يَحكُمِ الفيلسوف. لقد كانَ الإمبراطورُ الفيلسوفُ مُحبًّا للفلسفةِ بعيدًا كلَّ البُعدِ عن أمورِ الجيشِ والمعاركِ قبلَ أن يَتولَّى الحُكم؛ فهو الذي تفلسفَ على يدِ فيلسوفِ الحُريةِ «إبكتيتوس» الذي يَعودُ الفضلُ إليه في تمسُّكِ أوريليوس بالمذهبِ الرواقي. لم يَتركْ أوريليوس سوى كتابِ «التأمُّلات»، ويكفي هذا العملُ وَحْدَه ليُخلِّدَ اسمَه بينَ مَصافِّ العُظماء. الطريفُ في الأمرِ أن أوريليوس كَتبَ كتابَه هذا إلى نفسِه ولم يَكنْ يَنتظِرُ أن يَقرأَه غيرُه.
تُوفِّيَ الإمبراطورُ الوَرِعُ أوريليوس عامَ ١٨٠م.