كتب ابكتيتوس

ابكتيتوس

إبكتيتوس: فليسوفُ الحُريةِ في عصرِ العُبودِية، والدَّاعِي إلى الخيرِ في عصرٍ تَفُوحُ منه رائحةُ الشَّر.

وُلِدَ إبكتيتوس في عامِ ٥٠م تقريبًا، في «هيرابوليس» بولايةِ «فريجيا» الرومانية، وعلى الرغمِ من كوْنِه عبدًا في مُجتمعٍ هِرَقليٍّ بامتيازٍ يَصعُبُ فِيه على العبيدِ أنْ يكونوا شيئًا إلَّا عبيدًا، فإنَّه استطاعَ أنْ يتعلَّمَ الفلسفةَ على يدِ أستاذِه «موزينوس»، وأخيرًا تحرَّرَ من نِيرِ العُبوديةِ عَقِبَ وفاةِ الإمبراطورِ «نيرون»، إلَّا أنَّه كانَ حُرًّا بقَلبِه قبلَ أنْ يتحرَّرَ جسَدُه.

أسَّسَ إبكتيتوس، أحدُ أقطابِ الفلسفةِ الرُّواقية، مَدْرستَه الفلسفيةَ في «نيكوبوليس»، وذاعَ صِيتُه لدرجةِ أنَّ الإمبراطورَ «ماركوس أوريليوس» قرَّرَ أن يَحضرَ له مُحاضَرة، واستفادَ منه في كتابِه «التأمُّلات». دَعا إبكتيتوس إلى الخيرِ والحُرية، ونادى بثلاثةِ أنماطٍ مِنَ الواجِبات: الأوَّلُ نحوَ الذَّات، وذلك بتطهيرِ الجسدِ والرُّوح؛ والثاني نحوَ الآخَرينَ باعتبارِهم جزءًا مِنَ المُجتمَع؛ والثالِثُ نحوَ الله. أكَّدَ إبكتيتوس أنَّ الحُريةَ أمرٌ داخِلي؛ حيثُ يُمكِنُ للعبدِ أنْ يكونَ حُرًّا إذا تحرَّرَ من شَهَواتِه، وقد يكونُ السيدُ عبدًا إذا كانَ أسيرَ شَهَواتِه. ناقَشَ كذلك مسألةَ الخيرِ والشرِّ مؤكِّدًا أنَّ الأشياءَ بطبيعتِها ليسَتْ خيرًا ولا شرًّا، ولكنَّ مَوْقفَنا تجاهَها هو ما يُضفِي عليها هذه الصِّفةَ أوْ تِلك. لقد كانَتْ فلسفةُ إبكتيتوس صرخةَ احتجاجٍ صامتةً للمَقْهورِينَ في نظامٍ عُبوديٍّ مَحْض، وقد تركَتْ هذه النَّزْعةُ أثَرَها في الفلسفةِ الرُّومانية، ثُم المَسْيحيةِ والرُّوسيةِ مِن بَعْد.

تمامًا مثلَ «سُقراط» لَمْ يَترُكْ إبكتيتوس أيَّ أثرٍ مَكْتوب، لكنَّ تلميذَه «آريانوس» هو مَن دوَّنَ عنه، فكتَبَ لنا كتابَيْن هما: «المُحادَثات»، و«المُختصَر».

لم تَكُنْ حَياة إبكتيتوس سعيدةً حتى بعدَما نالَ حُريتَه؛ حيثُ نَفاه الإمبراطورُ «دوميتانوس» عامَ ٨٩م. وماتَ إبكتيتوس منفيًّا شريدًا، وكُتِبَ على قبْرِه: «عبدٌ أَعْرجُ مُعْوِز، ولكنَّه عزيزٌ لَدى الآلِهة.»