وهو عبد العزيز بن عبد اللطيف البدري، ولد في بغداد سنة 1347 هـ، الموافق سنة 1929م، وأصله من مدينة سامراء، ونشأ في بيئة علمية وتلقى دروسه الدينية على يد طائفة من علماء بغداد، ومنهم الشيخ أمجد الزهاوي، والشيخ محمد القزلجي، والشيخ عبد القادر الخطيب، ومحمد فؤاد الألوسي، وغيرهم، ونال إجازاته العلمية وعين إماماً في مسجد السور سنة 1949م، كما عين خطيباً في جامع الخفافين سنة 1950م، ثم نقل إلى جامع الوشاش وبعده إلى جامع الحيدرخانة في شارع الرشيد، وقد تنقل بوظيفته في كثير من مساجد بغداد.
ان واعظاً وخطيباً، وجريئاً في كلمة الحق، ومتحمساً في الدعوة للإسلام، وحج إلى بيت الله الحرام عدة مرات وكان رجلاً مجاهداً لا تأخذه في الله لومة لائم وأعتقل بسبب ذلك عدة مرات. وقد تصدى للمد الشيوعي في العراق في عهد عبد الكريم قاسم، الذي أطلق على نفسه (الزعيم الأوحد) فخاطبه وهاجمه في محاضراته وأطلق عليه:(عتل بعد ذلك زنيم)، وقد بلغ التحدي مداه، عندما أعدم عبد الكريم قاسم مجموعة من قادة الجيش ومنهم ناظم الطبقجلي، ورفعت الحاج سري وغيرهم، فأثار الشيخ البدري الجماهير وقاد المظاهرات التي يقدر عددها في وقتها بأكثر من أربعين ألف متظاهر، وكلهم يهتفون بسقوط عبد الكريم قاسم، كما أصدر الفتوى بكفر الشيوعيين أنصار عبد الكريم قاسم ومؤيديه، وطالب بمحاربتهم، فما كان من الحكومة إلا أن تصدر الأوامر بفرض الأقامة الجبرية عليه في منزله، لمدة عام كامل من 2 ديسمبر 1959م، ولغاية 2 ديسمبر 1960م، ثم رفع الحظر عنه، فلم يهدأ ولم يتوقف عن الخطابة والتهجم على الحكومة، وتأليب الناس ضدها، فصدرت الأوامر بأيقافه عن العمل الوظيفي وحبسه في داره، ثم تكرر سجنه من 8 يوليو/تموز 1961م، ولغاية 4 ديسمبر/كانون الأول 1961م، حيث صدر العفو العام عن السجناء السياسيين، ولقد لقي من البلاء في السجن والتعذيب الكثير ولكنه صبر ورفض كل العروض المغرية التي قدمت له. أنتسب الشيخ إلى حزب التحرير ليصبح عضواً فعالاً فيه ، إلى أن أصبح أمير ولاية العراق في حزب التحرير الإسلامي، وأخذ يدعو لأفكار الحزب في تطبيق الشريعة وإقامة الخلافة الإسلامية، ويكتب بيانات ونشرات الحزب ويوزعها.
في عهد الرئيس أحمد حسن البكر سجن مرة أخرى، حيث أختطف ليلاً وهو في طريقه إلى داره، وأخذوه إلى معتقل قصر النهاية وتم تعريضه للتعذيب الشديد في السجن ثم قطعوا له أجزاء من جسده وقيل أنه قطعوا له لسانه، ولفظ أنفاسه الأخيرة في السجن، وتوفي في شهر ربيع الأول سنة 1389 هـ، الموافق شهر حزيران سنة 1969م، وبعد مرور سبعة عشر يوماً حمل الجلادون جثته وتركوها أمام بيته، وأخبروا أهله، أنه مات بالسكتة القلبية، وأمروهم بدفنه دون الكشف عليه، ولكن أنتشر الخبر، وحمل نعشه إلى جامع الامام الاعظم للصلاة عليه، وهناك قام شقيقهِ بالكشف عن جثته أمام جموع المشيعين، حيث شاهدوا آثار التعذيب على سائر بدنه، فضلا عن نتف لحيته.
توفي وهو لم يتجاوز الأربعين من العمر، بعد حياة مليئة بالمعاناة وكان قدوة ومثل يضرب في الصبر على البلاء، ودفن في مقبرة الخيزران في الأعظمية.