وكما ارتبط اسم تشارلز ديكنز ـ بحسب المترجم ـ بلندن ، ودستوفيسكي بسان بطرسبرج ارتبط اسم بولدوين بهارلم ، المكان الذي حدده الرجل الأبيض للأفارقة الأمريكيين ، والذي كان يُطلق عليه " عاصمة أمريكا السوداء" في أيام تألقه وأزدهاره في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين ،فيما عُرف بنهضة هارلم ، ومع أن بولدوين رحل نهائيا في سن الثامنة عشرة، ولم يعد إليها إلا لزيارات قصيرة إلا أنها ظلت تُشكل عالمه الأدبي في جل كتبه.
عاش بولدوين حياة بائسة تحت وطأة الفقر الذي كان يعيش فيه المجتمع الأسود ، وانتشار الجريمة ، والعنصرية التي يعامل بها المجتمع الأبيض أبناء الأفارقة الأمريكيين ، وهذه الظروف القاسية عانى بولدوين من قسوة أبيه أيضا ، فلم يجد له ملاذا سوى القراءة التي أنقذته من مشاعر الكراهية والإحساس بالقبح وفقدان الثقة بالذات التي زرعها الأب فيه ، كذلك كانت القراءة مهربا من العزلة التي فرضها الأب على بولدوين وأخوته بدافع الخوف من شوارع هارلم المهدَدة ورجال الشرطة المتنمرين ورفاق السوء ،هكذا أيضا كان بطل " أعلنوا مولده فوق الجبل" فالبطل في هذه الرواية هي الصورة التخييلية للكاتب.
يتلمس بولدوين في هذه الرواية طريقا للتحرر مما أسماه في مقالة مطولة بعنوان " النيران في المرة القادمة " بالأمان الخانق الذي يقدمه الدين بصورته المتزمتة المنغلقة على الذات: الأمان من الضغوط الاجتماعية ممثلة في التمييز العنصري، أو الأمان من عواطفنا وآلامنا ، من ضعفنا ومخاوفنا. هي ليست رواية دينية تبشرية كما يظهر من العنوان ، لكنها رواية تصور تجربة روحية وجودية بأبعادها النفسية ، وتشابكاتها الاجتماعية ومن هنا جاء الالتباس والغموض الذي يلقي بظلاله على الرواية .
وقد أخذت الرواية عنوانها من أغنية كنسية كان يرددها السود الأمريكيين في أعياد الكريسماس والتي يبدأ مطلعها :" انطلقوا وأعلنوا مولده فوق الجبل ، مولد يسوع المسيح ".
رواية أعلنوا مولده فوق الجبل تأليف جيل دويك
" أريد أن أكون إنسانا شريفا وكاتبا مجيدا" أمنية صدر بها جيمس بولدوين روايته الأولى " أعلنوا مولده فوق الجبل " التي ترجمها هاني حلمي.
هي رواية تثير العديد من الأسئلة وتكشف عن عالم الجنوب في أمريكا وعلاقتهم بالآخر الأبيض ، وعلاقتهم بالدين.
تجسد تلك الرواية تلك العلاقة المتواشجة بين الحياة والكتابة، بين بولدوين الإنسان وبولدوين الفنان ، فهل هي سيرة ذاتية صريحة؟
في الحقيقة ليست سيرة ذاتية ، بل هي عمل فن يمتح من بئر سيرته الذاتية وتجاربه الحياتية في حي هارلم بمدينة نيويورك.