رواية القندس تأليف محمد حسن علوان .. ".... منذ أن سكنا في الفاخرية وأبي يتعامل مع الناس وكأنه فاتح منتصر لا ساكن جديد. يبني المسجد ويغير أسماء الشوارع ويتدخل حتى في أمزجة العابرين ولوحات المحال التجارية. اضطر صاحب المغسلة المجاورة أن يتكبد مصروفاً إضافياً لتغيير ماسورة تصريف المياه التي كانت تقطر في الشارع بعد أن وبخه عدة مرات وهدده بإقفال المحل. لم يكن صاحب المحل اليمني يعرف أبي فتخيل أنه يملك القدرة فعلاً فرضخ لمطالبه رغم أن نادراً ما يمر بتلك الجهة من الرصيف، حتى إذا فعل يوماً قفز البائع الهندي في محل البقالة المجاورة من مكانه ليقدم له قطعاً من الحلوى والفاكهة يأخذها أبي منه باستخفاف ليلقيها في حجر المتسولة التي تستوطن ركناً ثميناً من الحي منذ سنوات..."
2024-10-04
احتضنته شيخة منذ أن كان صبيا. وهي عروس والده الجديدة. علاقته بإخوته غير الأشقاء متوترة ونورة لا تعامله معاملة تليق بالأخ الأكبر وربما منى أكثر لباقة منها.
تنقل بين أحياء الرياض. فذكريات الصبا كانت بالناصرية وآثام ملحق المربع لم يستطع التخلص منها بعد انتقاله إلى
فلته بالفاخرية. وأحاديثه مع عمته فاطمة كانت ذا طابع إنساني.
غادة تلك الفتاة الجميلة التي احرقت قلبه وكانت هي خلاصه من كآبة عائلته وجفاء والدته وفشله في الجامعة كان حضنها الدافئ هو ملاذه الأخير.
تلك هي الشخصيات الرئيسية بهذه الرواية المحيطة بغالب. وربما شخصية داود وفهد يمكن ذكرهما عرضا نظرا لما يمثلانه من أدوار اجتماعية داخل بنية النص.
لغة السرد رائعة. وأسلوب الكاتب بليغ. ومخاطبته القارئ بضمير المتكلم عامل مهم لإضفاء الطابع النفسي للشخصية داخل النص، وهذا ما ساعد الراوي على بناء تحليلاته النفسية والاجتماعية بأسلوب معمق.
وفكرة انتقال الشخصيات عبر الزمان والمكان أيضا كانت رائعة إذ يشعر القارئ بالسفر معهما أثناء القراءة ويتعرف على الأماكن.. وقد نجح الكاتب في تقديم نهر ويلامت ومدينة بورتلاند بشكل مبسط.
أعود الآن إلى ملاحظاتي على الرواية. لم يعالج الكاتب موضوع الطلاق بالرغم من طلاق والدة البطل. أيضا لم يستفض في أسباب عنوسة فاطمة بعد طلاقها الأول ولم يوضح الأسباب الاجتماعية للمطلقة ونظرة المجتمع للمرأة المطلقة انطلاقا من حالة عمته فاطمة ووضعها الأسري.
وكذلك لم يعالج القضية الرئيسية بينه وبين غادة بحكم انتمائها للمدينة مقابل انتماء غالب للقرية. فهو رجل جنوبي من أبها وهي فتاة حضرية من جدة وبالرغم من حبهما لم يكن الزواج مطروحا بينهما دون مناقشة الأسباب بشكل فلسفي معمق..
وكذلك السائق باسل السوري والسائق شفيق الباكستاني لم يتوسع الكاتب في استنطاق حالتمها كونهما عمال والده. هو لم يقدم الأسباب التي دفعتهم للعمل ولم يعطي أي معلومة إنسانية عنهما سوى الاشارة إلى جنستيهما إذ لم يتعامل معهما تعاملا إنسانيا وغالب يعتقد بأنهما أشبه بعبيد، هذا يربطني إلى شخصية داود أيضا لم يستطع الكاتب مناقشة هذا الموضوع بشكل موسع ولم يدرس طبيعة الرق ونظرة المجتمع للأرقاء بل وجدته يشير إلى أن جينات الرق تجري في داود واكتفى بإشارة بسيطة بأنه خاله لأن شقيق داود الأكبر المتوفي رضع مع والدته. وكذلك كان يسخر من شقيقته بدرية لأنها ارضعتها امرأة يمنية وأفريقية دون أن يناقش الموضوع بشكل أعمق..
الخاتمة كانت رائعة وعميقة فلسفيا. وفيها يوضح الكاتب حالة الإنسان بعد الموت وكيف يتصارع الورثة على مال الميت لذا جسد هذه الفكرة بشكل دقيق وهو في قاعة المحكمة ليفاجئ القارئ بأن عبد الرحمن الوجزي لم يكن يمتلك أي واحد من تلك البيوت بما فيهم منزلهم في الفاخرية. وهنا يربط بين الموت في عمله الآخر (موت صغير) وهو يتناول الفلسفة الصوفية والوجودية من خلال حياة ابن عربي وربما يكفر عن خطاياه وذنوبه في (القندس)..
صحيح أن غالب اعتذر إلى داود وإلى شقيقته والمذيع الأمريكي كونان في رسائله القصيرة والعرضية في العمل ولكنه لم يعالج هذه القضايا بشكل أكثر فلسفة وحتى شخصية ثابت وهي تتخدث عن جده حسن الوجزي لم تقدر على نقد الأسطورة التي ينسجها سكان القرى وفقا لطبيعتهم البسيطة لكنه حاول محاولة لا بأس بها..
ختاما أنا معجب بهذا العمل. واعترف بالنزعة الرومانسية الجميلة التي يتمتع بها الكاتب وهو يعبر عن مشاعره بلسان غالب وقصة حبه بغادة وهي ما دفعتني لقراءة هذه القطعة النثرية الرائعة..
خالص مودتي…