رواية المضطرب بقلم أحمد جمال المصري .. وهذه المدينة غابة مليئة بالوحوش، يا قاتل فيها يا مقتول، فهل أراد الله لها كل ذلك الشرّ؟ أم أن السكَّان هم من اختاروا لها الهلاك؟ وماذا لو كان الله قد فرض فيها الخير ولم يعطهم حرية اختياره؟ فهل تكون هذه هي نتيجة الحرية التي منحهم إياها؟ وناصح يريد لهم الخير كما يقولون، وسيف ابني يضع لي «المصلية»، ويسألني قائلا:- «لما لا تصلي يا أبي؟» وأردُ على سؤاله بسؤال قائلا: - «ولما أصلي يا سيف؟» فيجيبني قائلا:- «صل لأجل النبي لأجل يوم البعث»، وهل البعث حقيقة يا سيف؟ وهل سيبعث جدك من جديد؟ فيجيبني قائلا:- «نعم يا أبي إن البعث حقيقة وإن السعادة في هذه المدينة ليست حقيقية وليست بدائمة وإنما السعداء الذين يعملون حساب هذه اللحظة»، ثم يؤمُّني ولأول مرة بحياتي أتذوق طعم راحة وسكينة تسري في عروقي، وأنت كنت تصلي يا عبد المطلب، وكنت تركع وتسجد كأنما سيفوتك القطار، فلما لم تطلب يوما مني أن أصلي؟ ويا ترى أكانت صلاتك هي سر راحتك الدائمة وشعورك بالرضا؟ ولكنَّني بمجرد أن أنتهي يعود الحزن يرجفني رجفة قوية، ويدعسني بأقدامه الفولاذية، ويسحق رقبتي، ويستكثر عليَّ ثانية أرتاح بها منه. فأرتدي ملابسك، وساعة يدك، ونظارتك، وحذائك، وأستعد قبل خفق امرأة سعيد جارنا للبيض، وأهرع بالنزول منتصف الليل مع كتابك غيرالنافع، لأسير في غمرة الليل الحزين هائما على وجهي متألما، في طريقي إلى جنينة «الجبَّانة» التي كنت تجلس فيها حتى تطلع الشمس.