رواية حين مات...النهد!

تأليف : حنا مينه

النوعية : روايات

"الندم! يقظة العقل، صحوة الضمير، عيش الفعل ثانية، ليس هذا كلّه المطهر الذي يرتجى، ليس الخلاص الذي تنشد، ولا قشّة النجاة من الغرق، أو السبل الكفيل بغسلنا من خطايانا. إنه اليقظة من الغفلة، المرتقى من المنحدر، الاعتراف بعد النكران،

 تصحيح ما اعوجّ، وصولاً إلى الصراط المستقيم، كالخط المستوي بين نقطتين. إنه الندم، المرشد إلى الخطأ، وأنت نادم، وفي هذا رشد بعد غيّ، إنما عليك أن تعرف، ويحسن بك أن تعرف، أن التوبة حتى النصوح منها، لا تصحّ معها تلاوة فعل الندامة قط، بل الاتعاظ بما جرى، كي لا تقع في الخطأ، أو تكرره، في الذي جرى. لم يكن كامل البهاء خائفاً، كان وحيداً. وهذا في غربة الجسد والروح أقسى من الخوف. من ذا الذي قال: "الوحدة عبادة"؟ قد تكون كذلك ليوم، لعشرة، لشهر، لعام، وبعد العام يأتي الملل، يسيطر، يفرش ظلّه كجنح غراب، تفقد الليالي، حتى في الأصياف، بهجتها، تتعرى النهارات من أنور لبوسها، لا يعود حرير الضوء في الأصباح شفيفاً، ناعم الملمس، لا تغدو الشمس في الأصيل شلالاً ذهبياً بارقاً، والغروب تبهت أرجوانيته، تتبدل الأشياء في النفس، تكتئب بكآبتها، تنسرح الكآبة على الكائنات.. ينشرح همس الغابة، توحش السكنية، تجفو المدارك، تتلاشى تصوراتها عن مهابة المعابد، عن رنين النواقيس، يبرد القمر، يقشعر البدن... يغدو الرحيل نداء الزمن حتى في الآذان التي بها وقر. الآخر لم يعد، الأخرى برحت، الغابة أوحشت، وهذا المأفون باكير هرب، سرق وهرب، لماذا هرب؟ ليته بقي. وجوده حتى وهو اللص، كان وجوداً. ألعبانيته، حتى في مكرها، كانت مسلية. زيف إغرائه، بظهور جنيّة الغابة، كان ينطوي على أمل... كيف يعيش المرء بغير أمل؟ باكر كان يضحك عليّ، ليعد ثانية، وليضحك عليّ، إنني، في وحشتي، أرضى حتى بالضحك عليّ! لتكن المرأة، وفيّة أو غير وفيّة، لتكن، وحين تكون، لو كانت، سأعترف، سأقول لها: أخطأت! تقدمت صنوبرة، كان الظهر وتقدمت صنوبرة، انشق لحاؤها، من بين اللحاء المنشق، برزت امرأة، قالت وهي تبتسم: أنا، يا كامل، جنية الغابة التي تنتظرها".
كما البحر هي الغابة، مُنْسَرحٌ واسع لخيالات حنّا مينا التي تقفز وتتشكل عبارات، وفي مشكلاتها إعلان عن ولادة فكرة رواية، ولكن مهلاً ربما كان مولد الفكرة مبكراً عن تهافت الخيالات المنبثقة من الغابة فهي الفكرة الأبدية: الرجل والمرأة وائتلافهما، سلباً وإيجاباً، لتشكيل نفحات الأمل وانجرافات اليأس لتتكون بمجملها الحياة باستمراريتها، إنه حنّا مينا الذي لم يدع القارئ بعيداً عن فكره وعن مساكن روحه. يأخذه من خلال تلك الفكرة إلى الغابة التي تشكل مسرح أحداث الرواية، تنطلق المعاني وتنطلق معها الكلمات والحروب وكأنها خطوط ترسم لوحات فنية رائعة، نقول ملونة ليس بالألوان المعهودة، وإنما بألوان غير مرئية، هي شفافة إلى حد ملامسة الروح والأحاسيس.

ينطلق خيال القارئ وتتحرك أحاسيسه ومشاعره وحتى فكره، جنباً إلى جنب للالتقاط ما تزخر به رواية حنّا منيا من معاني فلسفية، ومن مشاهد تتجاوز الواقع، يتلقطها القارئ بمتعة، وبإحساس بأن للعمل الروائي عند حنّا مينا مسارب جديدة تقرّ بإبداعه، وبعطاءاته المنبثقة من معين أدبي لا ينضب.

شارك الكتاب مع اصدقائك