ويتداخل الساردون في ما بينهم، ففي الروايات الثلاث، يعتمد برهان شاوي على سارد اختاره ليكون قناعاً، اسمه آدم البغدادي، الذي هو كاتب بدوره، ويكتب رواية عن بطل اسمه آدم التائه، الذي نجده في الروايات الثلاث كلها. هذا البطل آدم التائه، هو كاتب أيضاً، يكتب رواية عن بطل آخر اسمه آدم المطرود، وهو مهندس وكاتب أيضاً، وهكذا يتناسل الأوادم، وتتناسل الحواءات، وتتناسل الروايات وتتداخل.كل أبطال الروايات الثلاث اسمهم آدم، ويختلفون بالصفات والألقاب، وكذا النساء كلهن حواء، ويختلفن بالأوصاف والألقاب. في هذا النص الروائي الأخير، متاهة قابيل، يناقش الروائي فكرة أن البشر هم بنو قابيل، فهو وحده الذي من نطفة رجل اسمه آدم، وتشكل داخل رحم امرأة اسمها حواء. إنه وحده الإنسان بمعناه الحقيقي... ومن نسله انحدر البشر.. فهم أبناء قابيل أكثر مما هم بنو آدم..! أبناء قابيل القاتل.. المؤسس الأول للجريمة.. وحيث يواصلون قتل بعضهم بعضاً. لا تكتفي الرواية بمناقشة الأفكار الفلسفية والوجودية وإنما هي ابنة عصرها وزمانها، فهي ترسم صورة عراق ما بعد الاحتلال الأميركي، حيث الموت المجاني للإنسان، وحيث توزعت المسالخ الطائفية في بغداد، حيث الرعب، والظلام، حيث الفساد المالي، والانحطاط السياسي، حيث الأوغاد والقتلة، وتجار الطوائف، وحيث الهوس الطائفي، الذي جر البلاد إلى نفق مظلم. متاهة قابيل رواية عن الرغبة الجامحة العمياء، والشغف الجسدي المتأجج.. عن تداخل العوالم المرئية وغير المرئية، عن الحقد الفردي والجماعي، عن غرائز التدمير، وعن دهاليز النفس البشرية الغامضة.. عن العنف السياسي، والاجتماعي، والجنسي، حيث تطرح أسئلة الوجود البشري بكل جرأة، متوغلة في تشريح الرغبات المقموعة.. باحثة عن سؤال الوجود وعبث المصير.
رواية متاهة قابيل تأليف برهان شاوي
بين يدينا رواية "متاهة قابيل" وهي الجزء الثالث من ثلاثية الروائي، الشاعر، برهان شاوي، وبها يختتم رحلة الإنسان في متاهة الوجود، التي بدأها بروايته متاهة آدم، ثم تلاها بروايته متاهة حواء. في هذه الرواية كما في سابقتيها، يجرب الكاتب تقنات جديدة في السرد الروائي، حيث يتداخل النص السردي