رواية وحيدا في الليل بقلم بشير مفتي يقول الناقد جيسي ماتز :«ترمي الرواية الحديثة لمد جسور بين الفن والحياة بما يساهم في اثراء كل منهما ،كما تسعى لايجاد موضع للقناعات المثالية وسط كم الحوادث الطارئة التي ابتليت بها الانسانية »(تطور الرواية الحديثة ،ص.80) ضمن هذا المنظور الاولي يمكننا ان نضع النص الروائي «وحيدا في الليل» للمبدع بشير مفتي ،وياتي هذا النص ليتوج مسيرة سردية جادة-متانية يخطو فيها الروائي خطواته من اجل بناء عالمه الفني الخاص واستكمال اختباراته الجمالية وادواته السردية .
ان طريقة تشكيل الحبكة الروائية لهذا النص ،وتقصي البيئة المحيطة بالعالم الروائي،وآليات رسم الشخصيات الفنية والمعالجة الدرامية للنص كلها تشهد على براعة الروائي ومهارته في اثراء الوعي وتغذيته لديه .يكتب بشير مفتي السهل الممتنع ،فلغته بسيطة سلسلة تقترب من اسلوب الكتابة الصحفية ولكنها تستدرجك للدخول في عوالم فكرية عميقة قوامها مساءلات سيكولوجية وفلسفية تستثير الدهشة والتامل معا ،لذا فهو ينفر من السرد المعقد الذي يتلبس اللغة المستغلقة(على طريقة الرواية الحداثية لاليوت مثلا) .يقترب كثيرا من روائيين اساسيين هما:دوستويفسكي (الطبيعة البشرية،اشكالية الشر..) ،وكافكا(غربة الانسان وضياعه وسط عالم يفلت منه) .يعتمد هذا النص في معماره الفني على البناء السردي المركب،وهو نمط من السرد الحكائي الثلاثي:الناشر/كاتب المذكرات/كاتب نص الرسالة ،وليس مهما في هذا المقام معرفة ما اذاكان هؤلاء يؤلفون وحدة عضوية واحدة ام لا، انما المهم ان النص مطية وتعلة ليحيطنا بتعدد زوايا النظر وتشظي الحقيقة ،ورغم هذا فان النص في جوهريته يرتد الى نوع من التقابل بين الكتابة والحياة ،ولايلغي هذا التقابل ذاته التداخل والترابط بينهما لانهما يستندان الى معادلة انطولوجية(بالمعنى الفلسفي) تصب في خانة تشخيص ومعاينة غربة الانسان وعزلته(غربة الكتابة وغربة الحياة) .الكاتب كائن متوحد يحيا عالم الكتابة وحيدا في مغامراته السردية وهواجسه وظلامه الخاص، وبطل النص هو الاخر متوحد غريب تتقاذفه الاحداث ويسيطر عليه العبث واللامعنى،فهو يحيا في احلامه وكوابيسه وآثامه .يتعرف الناشر «السيد ياسين» على الكاتب «رشيد كافي» ،يحلم الناشر بعالم الادب ويتوق لنشر اعمال روائية تؤثث العقل وتصنع الوعي وتحقق المتعة وتؤسس الانسان الجديد ،ويراهن على الكاتب الروائي الذي يتكفل بنشر اعماله هذا الاخير الذي يدخل الناشر في عالمه الخاص عندما يكشف نص الرسالة التي وصلته من صديقه (هشام ماضي)،ونص الرسالة الطويلة هو ذاته متن الرواية .تصل الرسالة الى صاحبها بعد مرور 20سنة من الغياب والافتراق بينهما من مدينة بعيدة (استراليا) ،ومضمونها ينطوي على استحضار بعض من سيرة وحياة هشام ماضي (الذي قد يكون هو رشيد كافي نفسه) تتضمن الرسالة اشارات الى سلوكات واحلام وكوابيس بطلها الذي تقذفه الاقدار الى متاهات شتى (معاينة مقتل الاب، الاخفاق العاطفي، الالتحاق بالسلك الامني،مأمورية الاستنطاق والتعذيب، الهروب الى الخارج،الخيانة..) .الرواية شهادة على ضياع الانسان وغربته ووحدته في هذه الحياة ،وبمقدار توسلها وصف الاحداث العاصفة التي عرفتها الجزائر كمؤطرات تاريخية للكتابة الروائية الا انها تتجاوز ذلك لتجعل منها مطية وشهادة لاختبار وعي الانسان ومساءلة فعل الكتابة(والنشر) وجدواه. انها رواية غائصة في الهم الذاتي للروائي تدلل على اهمية وجدية الاسئلة الدؤوبة التي ما يفتأ يطرحها المبدع على ذاته وعلى العالم ... في قراءة لأستاذ الفلسفة الحديثة هزرشي عبد الباقي لرواية