كتاب أطلال العدم بقلم السعيد عبد الغني .. الديوان الثالث والخمسون للشاعر والقاص المصري السعيد عبدالغني * رسالة إلى نيتشه خسرت كل الثقة والرهانات التي وضعتها في الآخرين بلا استثناء، من أهلي لأي أحد آخر. في أي علاقة جارية أصبحت أنتظر الفيح وغالبا ما يحدث سريعا. لا يمكن الثقة في حقيقية أحد ووجدانيته يا نيتشه إن كان لازال يريد شيئا من العالم، ويرغب في عاديته. التفاهة يا صديقي نوع من الخبث لمن يتألم، نوع من الشر الذي نعرفه أنا وأنت. ليس فرضا على أحد أو تحقيرا لكنه لا يناسبني. سطح العالم ملىء بالتافهين وقعره ملىء بالوحوش. طردتني أمي وطردني الصليب وطردني المحراب الذي صليت فيه، لم أعد أجوع لعلاقة مع أحد حيا أو غائبا لاني سرت في اللامدرك حتى تقلصت لمعدوم. لن يدوم شيئا حتى الجناح يشيخ نيتشه ويعود أي موجود لصورته الاولى، عدما، هذا جنس العالم مهما زعمت في يوتوباي واللؤم كله للغة ولحاجتها للتمدد. * رسالة إلى آنا بالعودة إلى كثرتي المخلوقة بعد عصيان الذات الواحدة لطاقتي المجنونة وعدم احتمالها الوجود وحدها، أكتب لك مجاوزات لحالة الصمت العارمة التي تجتاحني، ولا أقصد بالصمت، تحكم إرادي في اللسان بل الأمر في عدم وجود مادة للساني من لغة. لن أستفيض في غربتي وشرح أن ذلك وهميا طالما نحن أنفس إنسانية لدينا لها نفس المتن الهبائي. ولكن لتعلمي أني لا أجمع في ذاتي رغبات بعد، أجمع معاني فقط، والمعاني لا تريد الآخر في مظهره بل في جوهره. لا أعرف كيف أعرف لكِ ذاتي، التعريفات اسم آخر للبواطل ونتاج التعيين، أنا مدغم من كل شيء مهما كان منطويا وخبيثا وبعيدا وشريا. أحدثكِ لأن وجهك غمس في عيني، ليست الملامح البشرية، بل الوحي المنظور من خارج الحسي، لست صوفيا ولا متدينا. ولأن التعريفات أو الاسماء أشكال هيولية، ممكن أنعتكِ آنا، أو، لا، جميل آنا. لست يوتوبيا أو أحيا في البرج العاجي، أعلم من لهم مس بالصورة أكثر من اللغة ينتمي فيهم بقدر إلى الواقع، لدي على عكس الناظرين تجارب واقعية عنيفة جدا تمتد للموت للبدائية للعنف للعذاب. الخ. أنا في المقهى آنا، أين أنت؟ تصويرك بصائريا يحملكِ؟ هل أعصي خلق الاول بتخليقك من بن القهوة؟ شمولي بلا جدران والمكان رتبة واقعية فيه أما نحن، الغرباء وراء الظهور في مستويات فوضاه. غالبية إن لم يكن الاكثر يولون الواقعي على الخيالي ويلقون فيه كلمات"حقيقي، حقيقي، حقيقي،" بينما أنا لدي هناك استواء وتلاحم، الادراك لا يفرق بينهما آنا في. هل أسرفت في حز ضرع الارض، المعنى، اللغة؟ كنت جائعا آنا دوما للوجود فقط. لا تشبهيني، بحسي، أنا غامض ديستوبي وجودي، ماورائي عدم وماقبلي عدم ولغتي صوت الخراب. لا أتذكر أي شيء الان، من شخصيتي الواقعية، أجتهد ذهنيا لكي أتذكر من أنا في الهوية الوطنية؟ لا تتأخري. لا تتأخري على مرآتكِ وتحدثي معها دوما النحاتة التي تنقص لنقطة هي. يديرون النقشبندي، مولاي، في المقهى الذي أسميه الشانزليزيه، أضع قدما على قدما من ساعات ولا أشعر بوجودي في الهنا. هل شبعت جماليا؟ إذا لم أزدلف من الضوء بعيني؟ ولم لازال من خصال قلبي تحسس العيون في الخارج؟ أدخن السيجارة سريعا، وأنادي بلا صوت على التوني، رنين يا كاس؟ أين الكاس الذي ينشي بأي شيء؟ عاودت الظهور في النص الذي عدمته عني وزهدت فيه والعود عقد المحب للمعنى لا لأحد. يمكن أن يكون الوجود إطنابا للعدم في جرح المتألم وأداة التدوير صوت أم كلثوم. * المنامات لم أؤول الاحلام طوال حياتي بأنها شكل من أشكال التجلي الألوهي، ربما لشكي المستمر في هذا المتن الذي يحكم المعنى عند من حولي، كنت أؤولها بأن ذلك تطاحنات مرئيات ومعاني ومكبوت وإلخ. ومع ذلك لم أكن أنفي وجود شكل من أشكال الغموض الذي يوجد بلا معرفة أو مفهومية من الإنسان. ليس لدي جهاز ثنائي ولا جهاز تقييمي لاي شيء ولا أي معيارية أسقطها على الاخر، التجارب التي خضتها والمشاعر التي خلقتها في كونت عندي تقبل لانهائي لكل شيء، بما يمنع مرضنة هذا الذي يرى رؤى في أحلامه من وجهة نظرة، ولأني أعتقد أن الكلمات فارغة من الدلالات إلا ما تسقطها عليه نحن وأن رد الأمر لتدخل إلهي وعناية محاولة لنفخ الايجو الذاتي. هناك بعض الأحلام التي أنساها ويكون دوما هناك حضور أنثوي فيها وغالبا بشكل ميثولوجي، كان ذلك الحلم بالمجدلينا، لم أكن موجودا حتى آخر الحلم، كانت هي جالسة صامتة بوجه كئيب، ودموعها في عينيها حاضرة لكنها لا تتساقط، كنت تلك العين التي ترى بدون وجودي، وبدأت وقتا بعد وقت تتأوه وتتشنج وظهر ضوء عظيم من بطنها ونزلت أنا ميتا. لم أعتاد الفزع، الكآبة والباعة التي اختبرت لم تعد تجعل أي شيء مخيف أو غريب بمعناه المفارق الجمالي. والحلم الذي يتكرر منذ وعيت وبدأت أتذكر أحلامي هو الحلم بأحد ما يسرح شعره في غرفة بها ضوء أرجواني ولا أتبين من هو أبدا بمشط عاجي أفريقي، أظل أحوم حول الغرفة ولكني أصطدم بالحوائط التي تبدو من بعيد بلا حوائط بل شلالات ضوء فقط. الحلم الثالث هو حلم أني أكون في مذبح وأقول لكائنات منها الإنسان ومنها أشكال من الانسلاخات التي توجد في الفن الغامض والمظلم، أقول لها "أفنوا" بصراخ عظيم وأحيانا برجاء وأحيانا بصوت خفيض وفي كل مرة يفنوا ويتكون غيرهم ويظل الحلم هكذا مستمرا حتى أستيقظ. الحلم الخامس هو أني أمشي في العالم وجسدي كبير أشد الكون كأني أشد ملاءه وأضعها في صدري حتى يفنى بعد وقت كل شيء ويصبح فراغا مقززا جدا ولا يتضخم جسدي، أصرخ فيعاد كل شيء ثانية. الحلم السادس أن هناك جمع من الناس مقيدة في سجن كبير وأنا الذي بينهم بلا أساور على القدمين أو اليدين، حتى أفكهم واحدا واحدا وبعد فك آخر شخص يقيدوني هم ويبدأوا في تقييد أنفسهم ثانية ويترك المشهد كأننا زومبي بلا حركة لفترة. الحلم السابع هو حلم أني موجود في برميل بشكل بشع، في أرض بلا نهاية مليئة بالبراميل التي يطفر منها وجوه كثيرة وهناك لون أرجواني في الاعلى ولا يمكن الخروج أبدا بدون أن أكون مقيدا فلا تظهر أساور أو شيء. حلم نيتشه هو انتحاره مع الحصان وانا قادم إليه عاريا والدموع تسقط من عيني بلوامس تثقل حركتي للتقدم الذي قلت لصديقة لبنانية أن ترسمه ورسمته. كنت أتحاشى الرسم منذ صغري لأني لم أكن أريد تلوين هذه الأحلام والخيالات، اللوحات التجريدية حتى تصبح في مخيلتي بدقة الالوان ولكني لا أستطيع تنفيذ أي منها، لم أكن أريد ذلك. لم أعد أحلم بأي شيء واقعي شخصي منذ مدة طويلة أو ما أتذكره لا يكون واقعيا شخصيا. كنت أحلم إيروتيكيا كثيرا لكن بشكل عنيف وبلا نهاية أي بلا نهاية الممارسة إلا بموتي. هذه الأحلام مواد للكتابة، مواد قيمة حيث كل شيء غير مرتب ولا روتين شائع هناك، حتى الشوارع فوضوية مليئة بالخراب الاثيري، دفء إضافي. ربما ذلك الاضطراب التشكيلي أضافته عدم النوم لأيام والنوم بقدر ضئيل جدا منذ سنوات مع المخدرات والأدوية التي تدمر النشوة بمفهومها الطبيعي والنكسة بمفهومها الطبيعي، فيشعر بالاثنان فقط بدون بين بينهما. والنشوة تحدد النكسة القادمة وعمقها والنكسة تحدد النشوة القادمة وعمقها ، وبعض النشوات العالية تحد من الاستمتاع بالنشوات العادية. ليس لدي مفهوم الغريب تجاه ذاتي كما هو لدى الآخرين، لا أندهش لأي شيء لكن الحلم هذا خاص أني كنت أصعد بين حجب، حجب قماشية في الاعلى سوداء، اللون كان ابيض ولكنه داكن، فقط أرى بشكل بسيط وأصعد وينفك حجاب، لا يتقطع بل يتنسل، حتى آخر حجاب وعرفت أنه آخر حجاب لأن النور كان يشغل الحجاب وكنت اسم دخانا، لكن أنا شككت أنه كله من مخيلتي لا من الشهود الصوفي أو شيء، رغم أني أتذوقهم واحبهم جدا لكن لدي تصور اخر عن ذلك، وفي لحظات الشك تلك وقعت والحجر تقطعت لأهبط ورقعت مرة أخرى. هناك أشكال أخرى للأحلام كنت أقول قصائد أو شذرات أو جمل بشكل مستمر ومزمن وهوسي وأستيقظ أكتبها من هذه جردت المجرد ومحضت المحض وما وجدتني. الخ إلى عدد لانهائي * أحلام وأحلام بلا نهاية، الواقع حلم مشترك فقط.