كتاب أهداف إسرائيل التوسعية في البلاد العربية

تأليف : محمود شيت خطاب

النوعية : السياسة

كتاب أهداف إسرائيل التوسعية في البلاد العربية بقلم محمود شيت خطاب  يخطئ من يظن أن قضية "تحرير فلسطين" هي محض قضية قومية أو قضية استرداد أرض عربية مسلوبة من عدو غاصب، وكل من يساهم في ترسيخ مفهوم هذه القضية على هذا النحو في عقول الناس؛ من الكتاب والمفكرين والساسة يضلل الناس ويبعدهم عن موطن دائهم

 وجرحهم الأليم، ويسهم في خداعهم واستدراجهم، ويؤخر فواق الأمة من دائرة الذل التي أحاطت بها وارتضتها سمتًا لحياة لا قيمة لها، فقضية فلسطين هي قضية الإسلام، هي قضية العقيدة في مواجهة كل محاولات التغريب ومحو دين الإسلام من قلوب الأمة، التي تكالبت عليها قوى الكفر والإلحاد وسلطوا عليهم عدوًا ضعيفًا هشًا في داخله، لكنه مع ضعف المسلمين وابتعادهم عن دينهم موطن عزتهم وقوتهم تسلَّطَ عليهم وعلى أجلّ ما يمتلكون من مقدسات دينية، وزرع فيهم ومنهم أولياء له ليزيدوا في إبعاد الأمة عن واقعها المرير، وعن علاج مرض ذلهم وخنوعهم، ألا وهو الاستمساك بعقيدتهم الصافية والاعتصام بشرع الله، يقول الأستاذ "سيد قطب" في ظلاله: "....... إنما هم يستطيلون على الناس في فلسطين مثلًا لأن الناس لم يعد لهم دين! ولم يعودوا مسلمين!.. إنهم يتفرقون ويتجمعون تحت رايات قومية جنسية؛ ولا يتجمعون تحت راية العقيدة الإسلامية! وهم من ثم يخيبون ويفشلون؛ وتأكلهم إسرائيل! غير أن هذه حال لن تدوم! إنها فترة الغيبوبة عن السلاح الوحيد، والمنهج الوحيد، والراية الوحيدة، التي غلبوا بها ألف عام، والتي بها يَغلبون، وبغيرها يُغلبون! إنها فترة الغيبوبة بحكم السموم التي بثتها اليهودية والصليبية في كيان الأمة «الإسلامية»! والتي تحرسها بالأوضاع التي تقيمها في هذه الأرض «الإسلامية».. ولكن هذا كله لن يدوم.. ستجيء الصحوة من هذه الغيبوبة.. وسيفيء أخلاف المسلمين إلى سلاح أسلافهم المسلمين.. ومن يدري فقد تصحو البشرية كلها يومًا على طغيان اليهود! لتحقق وعيد الله لهم، وتردهم إلى الذلة التي كتبها الله عليهم.. فإن لم تصح البشرية فسيصحو أخلاف المسلمين.. هذا عندنا يقين" .
وهذا الكتاب: "أهداف إسرائيل التوسعية في البلاد العربية" رغم صغر حجمه وقلة أوراقه يعد من الأهمية بمكان، وهو في أصله عبارة عن بحث تقدم به اللواء "محمود شيت خطاب" إلى مجمع البحوث الإسلامية في دورته الخامسة التي عقدت في القاهرة خلال شهر ذي الحجة 1389هـ الموافق شهر فبراير سنة 1970م، وناقش فيه الكاتب الموضوع الأبرز على الساحة وقتذاك، وهو أطماع إسرائيل الاستعمارية في صراعها مع العرب، وكانت البلدان العربية ساعتها قد خرجت من حرب خاسرة مع الكيان الصهيوني بخسارة أجزاء مهمة من الوطن العربي، كسيناء وهضبة الجولان السورية ومعظم أراضي فلسطين حتى منطقة الأردن، بعد هزيمتها المدوية في نكسة عام 1967م، وقد كان الحس الشعبي وقتها متأججًا للغاية ومتحفزًا للمواجهة مع "إسرائيل" ردًا على مواجهة العدوان بالعدوان، من منطلق قومي وعربي، فجاء الكتاب لبيان أن دوافع المطامع الصهيونية التوسعية هي دوافع عقيدية في المقام الأول لابد أن تواجه بعقيدة مضادة وعودة إلى دين الإسلام والاعتصام به، ووضح الكاتب بشأن هذا الأمر أن إسرائيل لا تطمع في فلسطين وحدها دون سائر البلدان العربية، بل إنها منذ نشأتها وإعلان قيامها في 1948م ترى أن حدود دولتها لابد أن تشمل - كما في توراتهم - كل ما بين النيل والفرات، وقد قسم الكاتب كتابه في جزئين رئيسيين، الجزء الأول: ناقش فيه دوافع المطامع الصهيونية التوسعية، وهي دوافع عقدية واقتصادية وعسكرية وسياسية، وذكر فيه أطماع إسرائيل في الدول العربية من دول الجوار بالتفصيل من أجل إنشاء إمبراطوريتها الصهيونية، أما الجزء الثاني: فهو خاتمة البحث وذكر فيه الحل الوحيد لحل مشكلة فلسطين ألا وهو "الجهاد"، وكيفية إخراج فريضة الجهاد من نطاق الفتاوى إلى نطاق التدريب العملي، ومن عجبٍ أن الكاتب في وقته ذاك، وبرؤيته العسكرية الثاقبة، يوقن أن الحل الوحيد لإزاحة الكيان الصهيوني من المنطقة لن يتحقق إلا بالقوة والجهاد، والجهاد وحده، وأن الحل العسكري هو الخيار الوحيد المتاح للعرب في ظل التسلط الذي يمارسه الصهاينة ليل نهار على أمة الإسلام، بينما نرى في عهدنا هذا من يلتزمون مقاعد الأمم المتحدة وأرائك المؤتمرات الدولية، ويتمسكون بخيار السلام خيارًا استراتيجيًا لا غنى عنه للحفاظ على ما تبقى من فتات أرض فلسطين، فما الذي تغير من عهد الكاتب منذ قرابة أربعين عامًا لكي نجد في وقتنا الحالي أن مجرد ذكر كلمة "جهاد" أو "عمل جهادي" هو من قبيل الخطايا التي تحاسب عليها الأنظمة الحاكمة، وتتوعد صاحبها ومتبنيها بالويل والثبور وعظائم الأمور، ولا حول ولا قوة إلا بالله؟!
وقد ألحق الكاتب بنهاية دراسته صورًا من جرائم الصهاينة العديدة في حروبها، وختم دراسته بفهرس للمراجع العربية والأجنبية التي اعتمد عليها، وزاد بالفهارس إلى جانب فهرس المحتويات فهرسًا بالأعلام وآخر بالأماكن التي تم ذكرها بالكتاب، والجدير بالذكر أن الكتاب حال طبعه نفدت طبعاته واضطر الكاتب في أقل من شهر لإصدار طبعة ثانية منه، إلى جانب تلك الطبعة الثالثة التي صدرت خلال نفس عام الطبعتين الأوليين.
والكاتب هو اللواء ركن محمود شت خطاب، قائد عسكري محنك وكاتب بارع، جمع بين يراع القلم والسيف، ولد في الموصل بالعراق سنة 1919م، تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في المدارس النظامية، وواظب على حضور حلقات العلم في المساجد، والتحق بالكلية العسكرية سنة 1937م وتخرج فيها ضابطًا، ثم أكمل دراسته العليا في الكلية العسكرية في بريطانيا، شارك في حرب 1948 بفلسطين ضمن القوات العراقية، وكان له دور بارز مع فرقته في المعارك في قرية جنين مع اليهود، اعتقل في عهد "عبد الكريم قاسم" لمدة عام ونصف، وفي عهد حكومة "عبدالسلام عارف" تولى عدة وزارات، لكنه ما لبث أن استقال وآثر التفرغ لكتاباته العسكرية والإسلامية القيمة، وكان اللواء محمود شيت خطاب غزيز الانتاج في مجال تراجم قادة الإسلام، وفي التاريخ العسكري والسياسي إلى جانب بحوثه الاستراتيجية الهامة نظرًا لخبرته في مجال القتال وفنون الحرب، وبلغ مجموع مؤلفاته ما يزيد عن مائة وعشرين كتابًا منها: "الرسول القائد"، "الوجيز في العسكرية الإسرائيلية"، "حقيقة إسرائيل: دراسات في الوحدة العسكرية العربية"، "أهداف إسرائيل التوسعية في البلاد العربية"، "طريق النصر في معركة الثأر"، "الأيام الحاسمة قبل معركة المصير وبعدها"، "بين العقيدة والقيادة"، "الإسلام والنصر عدالة السماء تدابير القدر"، "تاريخ جيش النبي"، "دروس عسكرية في السيرة النبوية"، "غزوة بدر الكبرى"، "العسكرية العربية الإسلامية"، "المصطلحات العسكرية في القرآن الكريم"... وغيرها الكثير، وقد شارك الكاتب في العديد من المؤتمرات والملتقيات الثقافية والعسكرية، واختير في عدد من المجامع والهيئات العلمية، ووافته المنية في عام (1419هـ - 1998م)، وكتب في ترجمته وسيرة حياته العديدُ من المفكرين والأدباء من أبرزهم: الأستاذ عبدالله محمود في كتابه "اللواء الركن محمود شيث خطاب"، والأستاذ مهدي علام في كتابه "الأعضاء المراسلون لمجمع اللغة العربية"، والأستاذ أنور الجندي في كتابه "أعلام القرن الرابع عشر الهجري"، والأستاذ محمد المجذوب في كتابه "علماء ومفكرون عرفتهم"، والأستاذ عبدالله الطنطاوي في كتابه "اللواء ركن محمود شيت خطاب: المجاهد الذي يحمل سيفه في كتبه".
دوافع المطامع الصهيونية التوسعية:
لخص الكاتب دوافع المطامع الصهيونية التوسعية في بلاد العرب في أربعة عوامل رئيسية:
1- العامل العقدي.
2- العامل العسكري.
3- العامل الاقتصادي.
4- العامل السياسي.
فنجد أن العامل العقدي نابع من صميم الديانة اليهودية والتي قامت عليها دولة "إسرائيل"؛ وقام عليها اختيار اليهود لأرض فلسطين خصيصًا لتكون وطنًا قوميًا لليهود المشتتين في بقاع الأرض وقتذاك، يقول "هرتزل" في خطابه التاريخي الافتتاحي الذي ألقاه في المؤتمر الصهيوني الأول بمدينة "بال" السويسرية عام 1897: "الصهيونية هي العودة إلى حظيرة اليهودية قبل أن تصبح الرجوع إلى أرض اليهود".
وجاء في مبادىء حزب عمال أغودات إسرائيل: "شعب إسرائيل خلق على جبل سيناء عندما أعطى التوراة، ولا تحقق الدولة هدفها إلا بمراعاة التوراة ولا تحل مشكلاتها إلا بواسطة التوراة"، وجاء في مبادئ حزب عمال مزراحي: "يجب أن تكيف التوراة نمط الدولة، ويجب أن تعتمد قوانين الدولة على التوراة".
واستنادًا على العقيدة اليهودية في التوراة، فقد استندت مطالب الحركة الصهيونية على مطلبين أساسيين التزمت بهما منذ أول مؤتمر صهيوني عالمي ضم أهم الساسة والمفكرين الصهيونيين، وهما:
أ- الحصول على ما يسمى بـ"أرض الميعاد"، والتي تقوم على أساس: (من النيل إلى الفرات).
ب- إعادة الشعب اليهودي إلى أرضه التاريخية المذكورة في التوراة، لأن الحياة في المنفى مخالفة للدين اليهودي وللحياة الطبيعية للشعب اليهودي.
وقد جاء في خطاب ألقاه "مناحم بيجين" بتاريخ 7 أبريل عام 1955 ما يلي: "لن يكون سلام لشعب إسرائيل ولا لأرض إسرائيل، حتى ولا للعرب ما دمنا لم نحرر وطننا بأجمعه بعد، حتى ولو وقعنا معاهدة الصلح".
ويؤكد ابن جوريون في أحد تصريحاته: "لا معنى لإسرائيل من غير القدس، ولا معنى للقدس من غير الهيكل" والهيكل هو هيكل سيدنا سليمان المزعوم الذي يريدون بناءه على أنقاض المسجد الأقصى.
ويؤكد ذلك المعنى العقدي العامل العسكري لطبيعة دولة إسرائيل، فسكان إسرائيل بأكملهم هم جيش الدولة، والنظام التجنيدي الإجباري يطبق في إسرائيل على كافة المواطنين؛ حيث يعد التدريب العسكري عامل حيوي لبقاء دولة إسرائيل، يقول الكاتب عن الطابع العسكري لإسرائيل: "إن إسرائيل معسكر كبير يضم كل الطاقات المادية و المعنوية الإسرائيلية، يبدأ فيه التدريب العسكري المنظم لكل إسرائيلي حين يصبح عمره اثنتي عشرة سنة، ثم يستمر تدريبه حتى يبلغ الثامنة عشرة حيث يلتحق بالجيش لأداء الخدمة العسكرية الإلزامية، فإذا قضى مدة خدمته العسكرية في الجيش وجرى تسريحه يصبح احتياطيًا يدعى إلى الخدمة العسكرية أيام النفير العام أو النفير الخاص حتى يبلغ التاسعة والثلاثين من عمره، حيث يصبح احتياطيًا للخدمة في المستعمرات أو القوات المحلية، ويبقى حاملًا سلاحه ما استطاع حمل السلاح، حتى يموت، ونستطيع أن نقول إن الخدمة العسكرية في إسرائيل من المهد إلى اللحد"؛ صـ 35.
ونجد أن أهم أهداف العامل العسكري في إسرائيل ثلاث عوامل رئيسية:
- المعنويات: فإسرائيل تحاول بكافة الطرق رفع معنويات قواتها المسلحة وشعبها في مقابل إبقاء معنويات العدو دومًا منخفضة، فإسرائيل دومًا تتفاخر بقدرتها العسكرية وبقوتها المتفوقة على سائر قوى العرب، وفي حروبها دأبت إسرائيل دومًا على الانتقام من كل عملية عسكرية عربية حتى لا تتهم بالضعف، كما أنها تسجل تاريخها العسكري بطريقة غير صحيحة لرفع المعنويات، فبعد نكسة العرب عام 1967م يذكر مراسلو الصحف الأجنبية الذين كانوا ملاصقين للقادة الإسرائيليين في أعمالهم الرسمية وفي الحفلات أن قادة إسرائيل العسكريين كان يتصرفون تصرف الآلهة علوًا واستكبارًا من جراء هذا الانتصار المعنوي.
- التوسع على حساب العرب: عمدت إسرائيل لتجييش جميع جهودها لاغتصاب الأراضي العربية قطعة قطعة من تحت أيدي العرب، واستغلال غفلة العرب الجماعية للاستيلاء على أكثر مما تحلم به خلال نكسة 1967م، يقول أبا إيبان وزير خارجية إسرائيل في مقال له عام 1965م بمجلة "فورين أفيرز" الأمريكية: "ليس من السخف أن نتصور قادة العرب يطالبون في المستقبل بإلحاح بالعودة إلى حدود عام (1966) أو عام (1967) تمامًا كما كانوا يطالبون بالعودة إلى حدود عام (1948)، تلك الحدود التي رفضوها في الماضي"؛ وهذا ما يحدث بالفعل!
وصرح "ليفي أشكول" رئيس وزراء إسرائيل سابقًا قائلًا: "إنه لن يكون هناك رجوع إلى الموقف السابق لحرب حزيران 67 وخطوط وقف إطلاق النار لن تتغير إلا في حدود مأمونة ومتفق عليها في إطار سلام نهائي ودائم، إننا لا نريد أي جزء من المناطق المأهولة بالسكان في الضفة الغربية، وما نقوله هو أن نهر الأردن يجب أن يصبح حدود أمن لإسرائيل بكل ما يعنيه ذلك، وبالنسبة لمرتفعات الجولان فإننا ببساطة لن نتخلى عنها قط، ونفس الشئ بالنسبة للقدس فهناك لا توجد أية مرونة على الإطلاق".
وقال مناحم بيجين في حوار له عام 1968م: "إن الأراضي العربية المحتلة هي أرض إسرائيلية حررتها إسرائيل من الحكم الأجنبي غير الشرعي"!
- حماية إسرائيل: ركزت إسرائيل كل جهودها لتقوية جيشها عسكريًا من أجل ضمان حماية إسرائيل، ويرى الخبراء الإسرائيلين أن مشكلة الحدود المكشوفة تمثل مصدر خطر لأمن إسرائيل عسكريًا وخاصة من ناحية منطقة الأردن، وقد اقترح "يعقوب ليبرمان" من حزب حيروت الإسرائيلي حلًا لهذه المشكلة بضرورة قيام إسرائيل بهجوم عسكري خاطف عاجل، يمكنها من احتلال النقاط الاستراتيجية بما في ذلك قطاع غزة، ويجب اجتياح ممكلة الأردن كتتمة لهذا الهجوم، وهو ما حدث جزئيًا فيما نفذته القوات الإسرائيلية في حربي عام 1965، 1967م.
3- العامل الاقتصادي:
مع حصر إسرائيل جغرافيًا وسط جيرانها العرب، أدرك الصهاينة أنه ليس أمامهم سوى طريقين لا ثالث لهما:
- التوسع المباشر عن طريق احتلال المزيد من الأراضي العربية الخصبة الصالحة للزراعة بعد إجلاء سكانها عنها بالمذابح.
- إعمار منطقة "النقب" بجر المياه العربية إليها، وذلك عن طريق الاستفادة من روافد نهر الأردن.
ونجد أن إسرائيل قد نفذت الحل الأول بنجاح منذ عام 1948م وتكررت المذابح الدموية وجرائم الحرب في إجلاء السكان العرب من قراهم وبيوتهم، وتم إخلاء الأراضي المحتلة من سكانها العرب بالطرد والتهجير ونسف المنازل، إلى جانب تهويد الأرض العربية بإطلاق مسميات يهودية عليها وطمس جميع معالمها العربية، وقد حاولت إسرائيل الاستفادة من مياه نهر الأردن بالفعل مما جعل الدول العربية تقرر تحويل روافد نهر الأردن عن النقب خلال مؤتمر القمة الأول عام 1964م.
4- العامل السياسي: يعد العامل السياسي من أهم العوامل التي تلعب عليها إسرائيل وتوليه اهتمامًا خاصًا، وعند سؤال أحد المسؤولين الإسرائيلين عن عوامل انتصارهم على العرب في 67 قام بجعل العامل السياسي هو العامل الأول من عوامل انتصارهم على العرب، حتى قبل ذكر العامل العسكري، وتعتمد إسرائيل على دعم مجلس الأمن بالأمم المتحدة لقراراتها، وتخترق معظم المعاهدات الدولية مع التظاهر بالاضطرار، ومن أهم أهداف النشاط السياسي الصهيوني:
أ- التظاهر بالسلام: لا تترك إسرائيل أي مناسبة دولية إلا وتصور نفسها أنها محبة للسلام ولدعاته، وأنها كائن ضعيف وسط جحافل جيوش الدول العربية الكارهة لها عنصريًا وعقديًا، "والذين يسافرون إلى الخارج يواجهون دومًا بالسؤال التالي: لماذا لا تتركون اليهود في إسرائيل يعيشون في سلام؟!"؛ صـ 54.
وتلعب إسرائيل على هذا الوتر في مفاوضاتها مع العرب فهي تدعو لسلام يقوم على سياسة الرضا بالأمر الواقع، فوجودها كـ (دولة) ليس أمر نقاش، ومسألة عودة اللاجئين أمر صعب التطبيق، وترفض التخلي عن القدس وتعتبرها عاصمة أبدية لليهود، يقول ابن جوريون تعليقًا على عودة اللاجئين لقراهم: "إن عقارب الساعة لا يمكن أن تعود إلى الوراء، إن إسرائيل لا يمكن أن تقبل أيًا من اللاجئين، والحل الوحيد العملي الممكن هو إسكانهم المناطق الخالية من السكان الغنية بثرواتها الطبيعية في سوريا والعراق".
يقول الكاتب: "إن عروض السلام التي يطلقها المسؤولون الإسرائيليون وأجهزة الإعلام الصهيونية ليست إلا ستارًا من الدخان، تهدف إلى تغطية المخططات الثابتة لإسرائيل والتي تشكل الاعتداءات المسلحة وسيلتها الرئيسية..... إن إسرائيل (تتظاهر) بالسلام، ولكنها لا تريده"؛ صـ 58.
ب- كسب عطف الدول الأجنبية: تعتقد الدول العربية أن الأمم المتحدة كفيلة بإرغام إسرائيل على قبول السلام وفرضه عليها حتى وإن لم تكن تريده، وهم واهمون، فإسرائيل هي "مولود" الأمم المتحدة "غير الشرعي"، ورغم إن إسرائيل تعتبر الدولة الوحيدة التي تم قبولها في الأمم المتحدة عام 1948 بقرارات مشروطة إلا أنها سرعان ما تمردت على الأمم المتحدة وتحدت قراراتها المتتالية بإدانة انتهاكاتها، فبعد سبعة أشهر من قرار الأمم المتحدة بقبول إسرائيل عضوًا بها يقول ابن جوريون في ديسمبر عام 1949 في الكنيست " إن إسرائيل تعتبر قرار الأمم المتحدة الصادر في نوفمبر 1947 (قرار التقسيم) غير شرعي وغير موجود"!.
ولعل وقوف مجلس الأمن والولايات المتحدة الأمريكية بجانب إسرائيل بشأن أي قرار يتخذ ضدها في الأمم المتحدة يثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن الاعتماد على الهيئات الدولية لا يجدي العرب نفعًا، فالدول بصورة عامة تعتمد على الدولة التي تتكلم من مركز القوة، فحرب "المصالح" هي المتحكمة في العلاقات الدولية، وليست "العواطف".
جـ- إجبار العرب على الصلح: تعتمد إسرائيل على اللعب على حبل "الهدنات" القصيرة المدى عندما تجد أن هجماتها العسكرية قد لا تحقق لها منفعة عاجلة بل قد تعود بنتيجة عكسية جراء تحفيز الشعوب العربية ضدها، لذلك تعتمد على الأساليب السياسية كبديل عن الحل العسكري الذي تؤمن به، وإجبار العرب على الصلح مع إسرائيل هدف حيوي من أهداف إسرائيل السياسية تعتمد فيه على أن يحقق الصلح والسلام لها مصالحها الكاملة لفترة زمنية محدودة؛ تعد فيه قوتها لعدوان جديد وتوسع جديد.
أطماع الصهيونية في الدول العربية:
1- شرق الأردن: تتمسك إسرائيل في خريطتها الكبرى بشرق الأردن كمكان استراتيجي هام يكفل لها أمنها الاقتصادي، وقد جاء في مجلة فلسطين عام 1919 أهمية شرق الأردن بالنسبة لمستقبل إسرائيل؛ حيث كتبت تقول: "لشرق الأردن أهمية حيوية من النواحي الاقتصادية والاستراتيجية والسياسية لفلسطين اليهودية، إن مستقبل فلسطين اليهودية برمته يتوقف على شرق الأردن، فلا أمن لفسلطين إلا إذا كان شرق الأردن قطعة منها، فشرق الأردن هو مفتاح التحسن الاقتصادي لفلسطين".
وقد جاء في المذكرة الرسمية التي قدمتها الحركة الصهيونية لمؤتمر السلام ذكر الأراضي الواقعة شرق الأردن والمطالبة بضمها لوطن اليهود القومي وجاء في أهميتها: "إن تطوير الزراعة في شرق الأردن يجعل من اتصال فلسطين بالبحر الأحمر وبناء موانىء صالحة في خليج العقبة ضرورة ملحة، ومن الجدير بالذكر أن مدينة العقبة كانت منذ أيام سليمان فصاعدًا نهاية طريق تجاري هام في فلسطين".
2- سوريا: يعد سهل حوران مطمعًا رئيسيًا لإسرائيل، فقد نشرت مجلة فلسطين عام 1917 مقالًا عن سهل حوران وأهميته قالت فيه: "ما من منطقة مقدر لها أن تكون أكثر تأثيرًا على تطوير فسلطين من حوران، يحد سهل حوران جنوبًا الزرقاء، ويمتد شمالًا حتى دمشق أما في الغرب فيحده الغور أو وادي الأردن، وفي الشرق يتصل تدريجيًا بالهضبة الصحراوية، وبذلك يضم في الشمال هضبة الجولان وهضبة حوران والتلال البركانية في جبال اللجا وفي الجنوب أرض البلقاء".
وقد جاء في المذكرة الرسمية التي تقدمت بها إسرائيل لمؤتمر السلام بعد الحرب العالمية الأولى طلب ضم سهل حوران لمطلب اليهود في وطن قومي لهم في الأراضي العربية، وجاء في أسباب الطلب "إن الحياة الاقتصادية في فلسطين تعتمد على مصادر المياه الموجودة في سورية، ومن الحيوي بمكان أن تضمن فلسطين استمرار تدفق المياه التي تروي البلاد حاليًا ثم أن تتمكن أيضًا من تخزينها والسيطرة عليها عند منابعها".
وقد كللت إسرائيل مساعيها للاستيلاء على هضبة الجولان حتى تم لها هذا عام 1967م وجعلتها حدودًا شرقية لإسرائيل، وتطمع إسرائيل الآن في الاستيلاء على سورية بالكامل حتى لواء الإسكندرونة المهم لها أيضًا.
3- لبنان: تهتم المطامع الصهيونية بالجنوب اللبناني لسببين رئيسيين:
أ- وجود منابع نهر الأردن ومجرى نهر "الليطاني" ومصبه في تلك المنطقة.
ب- الأهمية العسكرية لهذه المنطقة بالنسبة لأمن الدولة الصهيونية.
ونجد في المذكرة الرسمية التي قدمتها إسرائيل لمؤتمر السلام ذكر للبنان الجنوبي حيث جاء فيها: "إن حدود فلسطين سوف تتبع الخطوط الموضوعة كما يلي: تبدأ من الشمال في نقطة على البحر الأبيض المتوسط بالقرب من (صيدا)، وتتبع منابع المياه التي سوف تنبع من سفوح سلسلة جبال لبنان حتى جسر (الفرعون) ثم إلى (البيرة)، وتتبع الخط الفاصل بين حوض (وادى القرن) و(وادى التيم) ثم إلى اتجاه جنوبي يتبع الخط الفاصل بين المنحدرات الشرقية و الغربية لجبل الشيخ".
بل نجد أن الحركة الصهيونية في ذلك الوقت طالبت أيضًا مد الحدود إلى شمال (صيدا) وإدخال مدينة (صيدون) القديمة ضمن الأراضي الفلسطينية فيشمل الساحل الفلسطيني بذلك حتى ضواحي بيروت.
4- مصر: يقول هيرتزل بشأن مصر: "إن سيناء والعريش هي أرض اليهود العائدين إلى أوطانهم"، وقد فكر البريطانيون في بداية الأمر في توطين اليهود في شبه جزيرة سيناء ووادي العريش، وكان من المتوقع أن يحصل الصهاينة على إمتياز إدارة تلك المنطقة إدارة ذاتية تحت السيادة البريطانية لمدة 99 عامًا، ولكن الأمر أخفق لمعارضة الحكومة المصرية وقتذاك إلى جانب صعوبة تزويد تلك المنطقة بالمياه من النيل، ولكن نجد أنه دومًا كانت سيناء مطمع رئيسي للأطماع الصهيونية لزيادة رقعة الدولة ففي عام 1918 جاء في مقالة كتبها بن جوريون وبن زفي في مجلة فلسطين: "إن الجزء الشرقي لفسلطين ليس أصغر رقعة من الجزء الجنوبي وتبلغ مساحته (77) ألف كيلو متر مربع فإذا جمعنا ذلك إلى أرض العريش أصبحت المساحة (90) ألف كيلو متر مربع".
وقد حاولت سيناء احتلال سيناء في كل من حرب 1965 و1967 ونجحت في ذلك عام 1967، ومطامع إسرائيل في سيناء - بالإضافة لأهميتها العقدية القديمة في التوراة - لكونها تعد موطأ قدم في طريق الاستيلاء على قناة السويس لتكون ممرًا بحريًا لإسرائيل، وبداية لاحتلال منطقة الدلتا والإسكندرية أيضًا ليتحقق حلم إسرائيل التاريخي: "من النيل إلى الفرات".
5- العراق: في عام 1902 وجه هرتزل رسالة للورد روتشيلد يطرح عليه خطة بديلة بإنشاء مستعمرات سكنية لليهود في العراق اعتمادًا على كثرة عدد اليهود هناك، وفي عام 1903 وجه هرتزل رسالة إلى "عزت باشا" رئيس الوزراء العثماني الجديد يذكره بوعده بالسماح بإيجاد مستعمرات لليهود في العراق وفي لواء "عكا" وفتح الباب لهجرة اليهود.
وقد حاول اليهود في العراق الاعتماد على شراء الأراضي من العرب في ضواحي العراق الخصيبة ولكن عرب العراق قاوموا أطماعهم وتنبهوا لها مبكرًا، وعندما رحل اليهود عن العراق عام 1948 كانوا يقولون علنًا لسكان العراق: "سيأتي اليوم الذي نعود فيه إلى العراق لاستعادة أملاكنا".
وأعلن موشي ديان يوم 6 يونيو 1967م قائلًا: " لقد استولينا على (أورشليم)، ونحن في طريقنا إلى (يثرب)، وإلى (بابل)"!.
6- المملكة العربية السعودية والخليج العربي: صرح موشي ديان يوم احتلال القدس في حرب حزيران 1967م: "الآن أصبح الطريق مفتوحًا أمامنا إلى المدينة ومكة!".
ومع العداء التاريخي القديم لموطن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ الذي أجلى اليهود من المدينة وضواحيها، فإن إسرائيل تطمع في الاستيلاء على الأراضي السعودية الواقعة على خليج العقبة حتى منطقة الجنوب ليشمل (تبوك) حتى المدينة المنورة حيث تريد إسرائيل أن يكون هذا الخليج بحيرة إسرائيلية يصلها بالبحر الأحمر وبدول آسيا وشرق أفريقيا، وبالاستيلاء على هذا الخليج يكون الطريق مفتوحًا أمامها للاستيلاء على دويلات الخليج العربي والاستحواذ على آبار النفط فيه، ومطامع اليهود في أماكن آبار النفط العربية ذو أثر قوي وملح، فهي تطمع أن يشمل نفوذها جنوب المدينة المنورة حتى ميناء (ينبع) ثم تتوسع إلى مناطق آبار النفط في (نجد)، حيث تعتقد أنها الأقدر على إدارة هذه الآبار من العرب وأن اليهود أولى بتلك الموارد لضمان ثروة إسرائيل الاقتصادية.
الجهاد.. الحل الوحيد:
يرى الكاتب في ختام دراسته أن الغزو الاستيطاني الصهيوني صار واقعًا مرًا وجارًا بغيضًا للعرب والمسلمين، وأنه بهذا الوضع فالحرب قد فرضت فرضًا على المسلمين، وإلا فلن يأمنوا من مطامع عدوهم الصهيوني التوسعية في البلاد العربية كما أشرنا، لذلك لزم الجهاد سواء بالنفس أو بالمال على جموع المسلمين بإجماع آراء علماء المسلمين حينذاك، يقول الكاتب "لم يبق أمام العرب والمسلمين غير الحل العسكري الذي يعتمد القوة سبيلًا ومنهجًا"؛ صـ81. ويرى الكاتب أن الطاقات العربية والإسلامية المادية والمعنوية تفوق مثيلاتها عند العدو الصهيوني؛ غير أن العرب يفتقدون ميزة (التنظيم السليم) لقدراتهم، ويؤكد الكاتب على ضرورة التماسك الإسلامي وتكاتف كل الجهود العربية في مواجهة أطماع الصهيونية حيث يقول: "إن الطريق لبلورة الشعور العربي والإسلامي الطيب ليكون عملًا إبحابيًا طيبًا، واضح كل الوضوح، وسلوك هذا الطريق يؤدى إلى وضح حد حاسم لمطامع إسرائيل التوسعية في البلاد العربية وإلى استعادة حقوق العرب والمسلمين في الأرض المقدسة.
وما لم يملك العرب والمسلمون هذا الطريق، فإن إسرائيل ستمتد من (النيل) إلى (الفرات) اليوم أو غدًا"؛ صـ79.
يرى الكاتب ضرورة تدريب الطاقات البشرية القادرة على حمل السلاح من العرب والمسلمين وتسليحها وتجهيزها وتنظيمها، وتجهيز قيادات عسكرية لهذا الغرض والتي لابد أن ترتكز على دعامتين: الأولى دعامة روحية تعتمد على العقيدة لرفع المعنويات؛ حيث لا نصر للمحاربين ولا لأي شعب لا عقيدة له يدافع عنها، وعقيدة العرب الإسلام، وتأتي في مواجهة العقيدة الصهيونية التي ترتكز على الدين اليهودي أولًا وآخرًا وقبل كل شيء، والثانية: دعامة ترتكز عليها القيادة العسكرية للجهاد ألا وهي دعامة المال، فالمال هو عصب الحرب والمعارك، فالمقاتلين بحاجة إلى التدريب والتسليح والتجهيز والقيادة وإعالة أسر المجاهدين والشهداء وكل ذلك يلزمه مال للدعم، وقد اعتمد اليهود في إنشاء وطن قومي لهم على تكاتف الجهود المالية حيث كان من أهم نتائج مؤتمرهم القومي الأول تأسيس المصرف اليهودي للمستعمرات سنة (1798)، وظهور الصندوق القومي اليهودي سنة (1901).
القيادة العسكرية للمجاهدين:
يرى الكاتب ضرورة تفعيل واجب الجهاد على أرض الواقع، يقول الكاتب: "إن القيادة العسكرية للمجاهدين هي التي تخرج الجهاد من نطاق الفتاوى إلى نطاق العمل الإيجابي البناء"؛ صـ 89.
ويرسم الكاتب خطة لمنظومة القيادة العسكرية للمجاهدين حيث يفصلها كالتالي:
أ- قيادة عسكرية في كل مدينة عربية أو إسلامية، تتألف من ضباط وضباط صف من الجيش النظامي تقوم بتجنيد وجمع المجاهدين وتجهيزهم وتسليحهم وتدريبهم وتنظيمهم في فصائل وسرايا وكتائب، ويعاونها في ذلك قيادة روحية مكونة من رجال الدين المشهورين بالمدينة والمعروف عنهم الورع والإخلاص في الدين لرفع المعنويات وتصحيح المفاهيم، وفي نفس الوقت تندرج هذه القيادة الروحية في سلك الجهاد لكي يكون أثرها إيجابيًا، وهذه القاعدة تكون نواة لجيش الدولة.
ب- يجب أن يكون في كل دولة عربية قيادة قطرية للمجاهدين تتألف من ضباط ذوي رتب عليا وضباط صف متطوعين، وواجبهم هو حشد مجاهدي المدن والقرى وقياداتهم، واستكمال تنظيمهم وتدريبهم وتجهيزهم ونقلهم لساحات القتال.
ج- القيادة العامة للمجاهدين والتي تكون في ميدان القتال، وواجبها الأول قيادة المجاهدين القادمين من الدول العربية والإسلامية، وتتكون من ضباط ذوي رتب عالية معروفين بحسهم القتالي ومعايشتهم للمعارك الحية وتجربتهم العملية فيها إلى جانب توافر عنصري الشجاعة والإقدام وحسن التخطيط لديهم. تقييم الدراسة:
يقول الأستاذ سيد قطب في ظلاله عن مطامع بني صهيون وكيدهم المستمر والمتواصل لأمة الإسلام: "ما تزال الأمة المسلمة تعاني من دسائس اليهود ومكرهم ما عاناه أسلافها من هذا المكر ومن تلك الدسائس؛ غير أن الأمة المسلمة لا تنتفع - مع الأسف - بتلك التوجيهات القرآنية، وبهذا الهدى الإلهي، الذي انتفع به أسلافها، فغلبوا كيد اليهود ومكرهم في المدينة، والدين ناشئ، والجماعة المسلمة وليدة.. وما يزال اليهود - بلؤمهم ومكرهم - يضللون هذه الأمة عن دينها، ويصرفونها عن قرآنها، كي لا تأخذ منه أسلحتها الماضية، وعدتها الواقية. وهم آمنون ما انصرفت هذه الأمة عن موارد قوتها الحقيقية، وينابيع معرفتها الصافية.. وكل من يصرف هذه الأمة عن دينها وعن قرآنها فإنما هو من عملاء يهود؛ سواء عرف أم لم يعرف، أراد أم لم يرد، فسيظل اليهود في مأمن من هذه الأمة ما دامت مصروفة عن الحقيقة الواحدة المفردة التي تستمد منها وجودها وقوتها وغلبتها - حقيقة العقيدة الإيمانية والمنهج الإيماني والشريعة الإيمانية - فهذا هو الطريق. وهذه هي معالم الطريق" .
ويقول الأستاذ محمود شيت خطاب في تمهيده لهذا البحث: "الذين يعتقدون أن إسرائيل كارثة حلت بشعب فلسطين وحده، وأن ما تبيته إسرائيل من عدوان وتوسع لا يتعدى فلسطين يجهلون الحركة الصهيونية وأهدافها ومخططاتها الاستعمارية، والحقيقة أن خطر إسرائيل يهدد كيان الأمة العربية التاريخي والحضاري، وأنها خطر مادي يهدد جميع الدول المجاورة لها بالغزو والعدوان والاحتلال"؛ صـ 7.
ولعل بيان هذه الدوافع والمطامع الاستعمارية لجمهور المسلمين لهو من أهم الواجبات التي يلزم علماء المسلمين بيانها للناس والتوكيد عليها في كل وقت وحين، في الدروس والخطب المسجدية واللقاءات المرئية والكتابات الفكرية، فلابد من تجهيز الناس معنويًا وعقليًا لضرورة مواجهة ذلك العدوان والخطر الصهيوني يومًا من الأيام، وعدم الركون لبلادة الحياة الدنيا وملذات العيش، وها هو كتاب اللواء محمود شيت خطاب منذ ما يزيد على الأربعين عامًا وكل ما فيه ماثل أمام أعيننا ليل نهار، وما زالت صيحات الكاتب وخبرته بالمطامع الصهيونية والعقلية الإسرائيلية من جراء مواجهاته العسكرية والاستراتيجية العديدة معهم طوال سنوات تدرجه العسكري تتردد في آذاننا صباح مساء، ومما زاد الأمر ذلًا وعارًا أن بني صهيون قد أمنوا يقظة العرب والمسلمين واطمأنوا لغفلتهم ومواتهم فصاروا يتبجحون بغطرستهم وعدوانهم المتكرر بدون مواربة أو مداراة، ومثل هذا النوع من الدراسات جدير بتوجيه الناس لطبيعة العدو الذي يواجهونه والحذر منه ومن سياساته وإن بدت في ظاهرها أقرب للمهادنة مع رؤساء وقادة العرب، ومناداة الكاتب في نهاية دراسته بواجب الجهاد واعتباره فرض عين على المسلمين تجاه ذلك العدو وتطلعاته في التوسع في أرض العرب لهو دليل وبرهان أنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما صلح به أولها، حتى وإن تعددت النظريات وتشعبت الآراء واختلطت السياسات في سبيل حل القضية الفلسطينية.


 

شارك الكتاب مع اصدقائك