كتاب أوجاع وطن بقلم أحمد حسن الزعبي..لا أدري لماذا كلما شاهدت بطة كهربائية أو حصاناً بلاستيكياً على مداخل «السوبرماركت» وفي الطوابق الأرضية «للمولات»، تذكّرت تجربتي المريرة في التأليف والنشر، ربما لأن كلا المشروعين يتشابهان في النتائج والاستثمار، ففيهما تدفع رأس المال نقداً وتستردّه أو تستردّ نصفه «خردة» وعلى سنوات طويلة إن بقيت حياً.
في عام 2006 أصدرت كتابي الساخر الأول «سواليف»، وفور خروجه من المطبعة قبّلته وحضنته كما يفعل «الأدباء المعثّرون»، فهو الإصدار البكر وخلاصة الفكر وبداية السخرية الأولى، وفور ركوبي قرب سائق الــ«بكب أب» الذي حمّل النسخ من المطبعة الى البيت، تخيّلت أن مبيعات هذا الكتاب ستحطم رقماً قياسياً في المكتبات ومعارض الكتب تفوق مبيعات سلسلة «هاري بوتر» أو تتساوى مع روايات «ماركيز»، لكن النتائج جاءت مخيّبة للآمال فنصف النسخ قمت بتوزيعها مجاناً للأقارب والأصدقاء والأدباء الزملاء، ما ضاعف من كلفة الكتاب، حيث قمت بتحميل قيمة النسخ المجانية على كلفة النسخ المتبقية فتضاعف السعر، الأمر الذي جعل كل المكتبات تعرض عن شرائه إلا على نظام «برسم البيع»، ولولا وجود بند في مشتريات وزارة الثقافة والمؤسسات الداعمة لما استطعت استرداد ربع كلفة الطباعة.
المهم بعد تجربتي الأولى بسنتين أصدرت كتاباً ثانياً بعنوان «الممعوط»، في هذا الكتاب غيرت من استراتيجية التسويق، فلم أترك مكتبة أو محل خياطة أو صالون حلاقة أو محل «مواد بناء» أو «كافتيريا» أو «بيت عزاء» إلا وضعت عنده نسخاً برسم البيع، صحيح أن كتبي تحولت إلى «كراسي» للجالسين أمام المكتبات من المتقاعدين من وظائفهم الحكومية وإلى ورق «ساندوتش» في بعض الأحيان وإلى دفاتر تسجيل للعبة الشدّة (الكوتشينة)، لكن الحمد لله بعد سنتين قمت باسترداد الكلفة، الكلفة فقط خالية تماماً من الأرباح.
في 2010 أصدرت الكتاب الساخر الأخير «أو..جاع وطن»، وقبل نشر هذا الكتاب، كنت متأكداً من عدم نجاح تسويقه أو بيعه كما أحلم ويحلم كل كاتب شعبي، وذلك نتيجة خبراتي السابقة مع الكتابين السابقين، لكن جاءت الأمور على عكس ما توقعت تماماً وربحت أربعة أضعاف طباعته في أقل من سنتين.. قد تتساءلون: كيف؟
بعد الإصدار بشهرين جلست في وسط عمّان عند صديقي (أبوعلي) أطالع الوجوه وأقرأ بعض الكتب وأطمئن على مبيعات كتابي الأخير، حضرت سيدة، وقفت قليلاً أمام بسطة المجلدات تستعرضها.. بدأ قلبي بالخفقان قلت «خلاص ستشتري كتابي»، بعد دقائق من صمتها ووقوفها أمام «الكشك» قالت: «أبوعلي.. كم ثمن كتاب منال العالم»؟.. رد (أبوعلي): بـ30 ديناراً!.. عندها قام (أبوعلي) بالتعريف عليّ: هذا الكاتب الساخر احمد الحسن، تقرأين له؟ ابتسمت من غير نفس: «أهلين»!.. و عادت تسأل (أبوعلي) من جديد: كم ستحسب لي كتاب منال العالم؟..(أبوعلي): آخر اشي .27 ثم قرّب كرسيه منها وقال لها ثانية: هذا أحمد حسن الزعبي الذي يكتب في الصفحة الأخيرة في جريدة «الرأي» هل تقرأين له؟ له زاوية يومية على شمال الصفحة! بينما بدت السيدة منشغلة بتقليب كتاب منال العالم قالت بصوت خافت «كل الناس خير وبركة»! وعادت تسأل.. هاي أي طبعة لمنال العالم؟ قال (أبوعلي): الطبعة الثالثة، ثم عاد من جديد بطريقة ملحة للتعريف: أخونا أحمد يكتب في السياسة والاجتماع، له ثلاثة كتب و.. وقبل أن يكمل قاطعته السيدة طالبة كيساً لتضع فيه كتابي «منال العالم والشيف أسامة»، دفعت 60 ديناراً وغادرت.
منذ ذلك التاريخ عقدت صفقه مع (أبوعلي)، قلت له: لا تحرج نفسك ولا تحرجني، كم كتاباً تبيع لمنال العالم أسبوعياً ؟ قال: فوق الـ40 كتاباً! قلت له: عظيم، بدلاً من أن تعطي زبائنك خصماً ثلاثة دنانير يساوي ثمن كتابي، اعتبره هدية مجانية، أقصد، قم بلف كتابي مجاناً مع كتاب منال العالم بلاصق كما تفعل المحال التجارية، عند بيع مسحوق الغسيل أو شفرات الحلاقة أو سائل الجلي والشامبو، وفعلاً منذ ذلك اليوم «ارتفعت مبيعات كتابي الأخير بشكل قياسي».
❊❊
وليس سراً إن قلت لكم إني أستعد الآن لإصدار الطبعة الثانية من أوجاع وطن
أحمد حسن الزعبي - صحيفة الإمارات اليوم