كتاب أوراق القضية 805: مقتل الأنبا ابيفانيوس بقلم سارة علام..تبدو الكتابة عن قضية مقتل الأنبا ابيفانيوس أسقف ورئيس دير أبو مقار، كمحاولة السير فى حقل ألغام، كلما مشيت خطوة تعثرت قدمك في لغم. القضية التي هزت الرأي العام المصري، لم تكن مجرد مقتل أسقف بين أسوار ديره، بل إن أبعادها التاريخية وتشابكاتها وتعقيداتها تجعل منها لغزًا قد يستمر طويلًا، وقد تعاني منه الكنيسة القبطية المعاصرة سنوات قادمة. وفي فصل بعنوان من دفتر الدم والرماد، رصدت مشاهداتي عن أيام الدم والتفجيرات فى الكنائس وهي مشاهدات لم تسجلها الصحافة وربما لم ترصدها عدسات الفضائيات ولكنني اخترت أن أسجلها فى هذا الكتاب للتاريخ، وكوردة فوق قبور هؤلاء الشهداء.
قد يتساءل القارئ عن الذى يدفع صحفية مسلمة للكتابة في شئون الكنيسة، وهو السؤال الذى واجهته طوال رحلتي الصحفية فى السنوات الفائتة، ولم تكن لدي إلا إجابة واحدة وهي أن الصحفي لا دين له؛ إذ أن انحيازه الأول والأخير للحقيقة لا لشئ آخر، وإن كانت الكنيسة قد استهوتني ودخلت في أجندة اهتماماتي منذ بداية عملي في الصحافة، فلم يكن ذلك بعيدًا عن تكويني ونشأتي في مجتمع مسيحي في صعيد مصر عضدته بالدراسة والبحث والقراءة فى التاريخ الكنسي واللاهوت والعقيدة، وكانت الرحلة أشبه بالسير في الصحراء، كلما ظننت إنك قد اقتربت من الوصول لاحت لك جبال أكثر عليك العبور من بينها لتصل، ولكنني أدين لتلك الرحلة بالكثير، فقد علمتني قيمة الفهم وثمن العلم، ودفعتني للتخلي عن الكثير من عاداتي الشخصية السيئة كالتسرع للحاق بمطابع الصحف.
الحقيقة في الملف القبطي تحتاج إلى تأن وإلى الكثير من القراءة والبحث والصبر والتحليل، وهي عمل تراكمي لا يأتي الكاتبَ بين يوم وليلة إنما قد يستغرق عمرًا بأكمله، إلا أن تلك التجربة الصحفية على صعوبتها لم تخلُ من المتعة، متعة الكشف عن جوانب خفية، متعة الرؤية بغية الوصول، متعة يتداخل فيها السياسي والتاريخي والديني والاجتماعي بشكل يجعل الصحفي أقرب من أي وقت مضى لما يدور في مجتمعه وهو يرى من زاوية نظر قد لا تتاح لغيره.
لله در الكنيسة التي فتحت أبوابها ولم تبخل علينا بالكشف
ولله در الصحافة .. مدرسة الفهم والكتابة والحياة