كتاب الأعمال الصوفية بقلم محمد بن عبد الجبار النفري .. كشف فؤاد سزكين عن وجود مخطوطة أخرى، هي حاجي محمود 2406 تحتوي على نصوص جديدة للنفري، كما انه وفي الدراسة المطولة التي كتبها الأب بولس نويا السيوعي عن "تفسير القرآن" أشار الى جميع هذه الأقسام غير المنشورة من أعمال النفري واستفاد منها، ثم نشر مقتطفات منها في مجلة "المشرق" (عدد كانون الأول 1970) كما أتيح للأب نويا العثور على مخطوطة طهران. واستناداً الى هذه المخطوطات والمطبوعات المذكورة نشر الأب أعمال النفري التي جاءت في هذه الطبعة تحت عنوان كتاب "موقف المواقف" بالإضافة الى ما جاء تحت عنوان "أجزاء متفرقة"، "قسم الحكم"، "مواقف ومناجات" و"باب الخواطر ومقالة في الحب". ولابد من وقفة قصيرة للتعريف بصاحب هذه الأعمال. وهو محمد بن عبد الجبار النّفّري. شخصية غامضة منتهى الغموض في تاريخ التصوف الإسلامي. ويبدو أنه ارتفع نجمه في النصف الأول من القرن الرابع الهجري. وقد توفي استناداً الى ما يقوله حاجي خليفة، في سنة 354هـ. ومن ناحية أخرى ليس هناك سوى القليل عن حياة النفري، وهذا القليل مستمد بمجمله من أقوال شارحه عفيف الدين التلمساني (المتوفي سنة 690هـ). جاء في كتاب موقف المواقف لمحمد بن الجبار بن الحسف النفريّ في (أبواب الدعاء) 90-]مناجاة[: إلهي! أعرض سواك، فلا أُقبل، وأقبل برّك، فلا أُعرض. فباللطف الذي أشهدت به قربك، وبالقرب الذي أوجدت به لطفك أعيذني من سواك أين سرّيت، وأقررني بالطمأنينة بذكرك أين قررت. إلهي! رجعت رواجع سواك عن الحجاب عنك، وظهرت ظواهر الحجاب عن قوّتك، وبطنت كل باطنة على الجهل بمعرفتك. لا يهتدي اليك العلوم فيعرفك العارفون، ولا تدل عليك الأعلام فيقصدك العارفون. فأنت أنت تعلم العلم، ولا يعلمك، وتعرف المعرفة، ولا تعرفك. لك المنّة بسبق منك، ولك الحجّة بشواهد العجز عن حقّك. إلهي! أثبتني بك في مثبّتتاتك التي أقبلت عليها بوجهك، وأدبرت بها عن نظر سواك، فدانت لك بدينك، فانتهت اليك بتعرفك. إلهي! أرينك في تقليبك، وأشهدنيك في ترتيبك، وأوجدني بك في اشهادك حتى لا تكون عليّ لسواك ربانية الحكم، ولا رهبانية العلم، ولا معنوية الاسم. إلهي! أنت أعلم بي بما برأتني، فأنت أعرف بدواعي نفسي بما اخترعتني، وأنت مولاي الغنيّ عني، كيف صرفتني. وأنت ربي، أنت أرحم الراحمين بي كيف قلبتني. إلهي! أوحشني من كل شيء بأُنسي نعمتك، وأرني في كل نعمتك وجوه معارفك، وتولّني في معارفك بعلوم ربانيتك! وأرني أنوارك بتبصير هداياتك، فلا أرى ما رأيت إلا بنظري، ولا أطوي ما طويت إلا بإذنك. إلهي! عزّت أوصافك عن حروف الناطقين. وعلت أذكار قدسك على أفكار الصامتين. فما سبّحتك خليقة إلا وتسبيحك أكبر... إلهي! أنت الغني، فلا يستطاع وصف غناك، وأنت المنعم، فكل شيء عاجز عن شكر نعماك. إلهي! أعصمني بعصمتك، واكنفني بكلايتك الحافظة، ونوّر قلبي بأنوار قربك وثبته على معرفتك بأعلام هدايتك... إلهي! أسلم كل شيء لربانيتك، واستلمت كل ربانية لبهاء عزّتك، وذلّت كل عزّة لبهاء سلطانك، وخشع كل سلطان لحياطة قيومتك: فلا قوة إلا بحولك، ولا حول إلا بقوتك، ولا حول ولا قوة إلا بك..."
يأتي كتاب موقف المواقف الذي ضمه هذا الكتاب في سياق أعمال النفري "المواقف" و "المخاطبات". ويعدّ كتاب المخاطبات من أكبر وأهم في كتابات النفريّ، وهو يرد في ثلاث مخطوطات (ج) و(ق) و(م) وتتكون هذه الكتابات من سلسلة من الاستلهامات والتنزلات المشابهة في مادتها لـ"المواقف"، ولكنها تبدأ بعبارة "يا عبدي"، بدلاً من "أقفني وقال لي". ولا يحيط الشك بصحة نسبتها له، إذ يشير إليها النفري نفسه في الموقفين: 63، الفقرة 11 و66 الفقرة، 1. ولا يمكن المبالغة في تقدير أهمية هذه المادة الإضافية فإذا كانت "المواقف" تحمل آثاراً واضحة على بصمة تنقيح أدبي، فإن لـ"المخاطبات" مظهراً لا تخطئه العين من صحة الأسناد والأصالة. ولم تتم محاولة وضع ترتيب لها، بالرغم من أن العناوين في مخطوطة (م) قد أعطيت بصورة: "مخاطبات الأولياء" وهذا ما يذكر بالمواقف. ومن جهة أخرى فإن آربري وحين نشره كتابي النفري "المواقف" و "المخاطبات" عام 1935، كان المعتقد أنه قد نشر الأعمال الكاملة الموجودة للنفري. لكن مقالة نشرها أحمد آتش في أنقره عام 1952 أشارت الى وجود عدد من شذرات النفري في مكتبتي بورسا وقونيا. وفي عام 1953 أصدر آربري مجموعة من الشذرات الجديدة تحت عنوان "كتابات جديدة للنفري" عثر عليها في مكتبة "جيستر بيتي". وفي كتاب "تاريخ التراث العربي" (ج1، ص662).