كتاب البصائر والذخائر 2 بقلم أبو حيان التوحيدي ..كتاب البصائر والذخائر: هو كتاب ضخم ألفه التوحيدي كما يقول ياقوت في عشرة أجزاء، كل جزء له فاتحة وخاتمة وقد عشر على تسعة أجزاء منها وهو ثمرة عمل دام خمسة عشر عاما امتدت بين 350 هـ و 365 هـ وقد عرف الكتاب بأسماء مختلفة فهو تارة البصائر والذخائر، أو البصائر والنوادر، وأخرى بصائر القدماء وسرائر الحكماء وخواطر البلغاء، وحينا، أخبار القدماء وذخائر الحكماء كما ورد في غرر الخصائص للوطواط وحينا آخر، البصائر عند ياقوت الرومي والاسنوي صاحب طبقات الشافعية وعند التوحيدي نفسه في مثالب الوزيرين.

أن هذا الكتاب ثمرة مطالعات التوحيدي ومشاهداته وسماعاته وقد ذكر التوحيدي في مطالع كتابه المصادر الرئيسية التي أعتمد عليها في تصنيفه هذا الأثر الضخم فهي تشتمل إلى جانب مؤلفات الجاحظ، على أمهات المتب المعروفة مثل "النوادر" لأبي عبد الله محمد بن زياد الاعرابي و"الكامل" للمبرد و"عيون الأخبار" لأبن قتيبة و"مجالسات ثعلب" و"المنظوم والمنثور" لأبن أبي طاهر و"الأوراق" للصولي و"الوزراء" لأبن عبدوس و"الحيوانات" لقدامة هذا عدا القرآن والسنة، ولا شك في أن التوحيدي أقدم على أختيار ما وتدوين ما دوّن بدافع من ذوقه وهواه ومزاجه وثقافته الدينية التقليدية ومذهبه الفلسفي في الاعتزال.

وقد استتبع تقليد التوحيدي لأستاذه الحاحظ أعتماده على المشاهدة، وإثبات رأي العين، وتأثره بمدرسة المحدثين والفقهاء وذكره الاشياء الطريفة التي شهدها والحوادث التي وقعت له والأخبار والمعلومات التي دونها أو حفظها أو اطلع عليها أثناء ارتياده المجالس ومعاشرته لعلماء عصره أو طوافه في مختلف البلدان فهو دوما ينسب الأشياء إلى قائليها أو إلى مصادرها فما أكثر ما نقع في البصائر والذخائر على أمثال هذه العبارات: "هكذا قال الثقات" أو وبخط السكري مرّ بي فنقلته "أو" وكان ذلك في كتب أبي بكر القومسي الفيلسوف بمدينة السلام "أو" وهذا التفسير حفظته سماعا، وأحكمته رواية" أو هكذا سمعته من أبي حامد القاضي"أو" سمعت شيخا من النحزيين يقول "أو" سمعت أبا سعيد السيرافي يقول "أو" سمعت في مجلس أبي سعيد السيرافي شيخا من أهل الأدب يقول "أو" أراد شيخ من سراة أذربيجان أن يخجلني فخجل وذلك أإنه قال لي..." وإلى جانب ذكر المصادر والمشاهدة نجد أصرار التوحيدي في كتابه على تقليد أستاذه الجاحظ في ارضاء قرائه والفوز بإعجابهم والإعتذار اليهم عما قد يبدو عنده من نقص أو عجز، كمل يصر على الإيحاء بصدق ما يروي وينقل فيخاطب القارىء بعبارات فيها كثير من التواضع والأستكانة على طريقة الصوفية كقوله: هكذا حفظت عن أئمة هذا اللسان، وما لي منه الإحظ الرواية أن وقعت موقعها منك، وحلّت محلها عندك، وإن تكن الأخرى فما أقدرك على رد ما أروي وإفساد ما أقول حتى يصير ما جمعته ونقلته وكددت نفسي فيه خاملا في عينك، ومهين القدر بحكمك...... ولا أقول أن ما يمر بك هنا لا تصيبه في الكتب، ولا تجده عند الشيوخ ولكن كم بين من يستقبل كفاية غيره، وبين من يستأنف كفاية نفسه".