ثم يكتشف المحققون منهم، بدهشة يشوبها الإعجاب والارتياح، أنّ هنا علمًا عتيقًا كان يهتم بالخطاب في كليته؛ في بعديه التخييلي الأدبي، والحجاجي المنطقي، وهو البلاغة. وبذلك عاد البحث البلاغي إلى الواجهة مستفيدًا من المنجزات العلمية في المجال اللساني والفلسفي المنطقي.
ربما لا تطرح كلمة البلاغة في السياق العربي إشكالاً في كونها علم الخطاب الاحتمالي بنوعية التخييلي والتداولي، وذلك نتيجة الدمج الذي مارسه، في المرحلة الثانية من تاريخها، كل من عبد القاهر الجرجاني وابن سنان الخفاجي، ثم دعمه السكاكي وحازم القرطاجني.
أما في الثقافة الغربية فإنّ الكلمة المقابلة لكلمة «بلاغة» العربية، حاليًا، أي ريطوريك (rhétorique, rhetoric)، تتردد بين ثلاثة مفاهيم كبرى: المفهوم الأرسطي الذي يُخصِّصها لمجال الإقناع وآلياته، والمفهوم الأدبي الذي يجعلها بحثًا في صور الأسلوب، والمفهوم النسقي الذي يسعى لجعل البلاغة علمًا أعلى يشمل التخييل والتداول معًا.
وهذا المفهوم الثالث هو مجال الاستكشاف الذي نضعه اليوم بين يدي القارئ العربي الذي ما زال يجتر بؤس تردي البلاغة.
كتاب البلاغة الجديدة بين التخييل والتداول تأليف محمد العمري
كتاب البلاغة الجديدة بين التخييل والتداول بقلم محمد العمري..
ما انفك الباحثون في نظرية الأدب، من جهة، ومنطق الحجاج، من جهة ثانية، يكتشفون - طوال النصف الثاني من القرن الماضي - مدى التداخل بين ميداني اشتغالهما.