كتاب التاريخ الثقافي لمصر الحديثة: بقلم د. وائل إبراهيم الدسوقي..لقد عرفت مصر كل أنواع المؤسسات الثقافية والعلمية بشقيها الحكومي الرسمي والشعبي المستقل، منذ عهد "محمد علي" وحتى عهود كل خلفائه من بعده، فلم يقتصر ذلك على عهدي "محمد علي" و"إسماعيل" فقط. فقد أنشأت الحكومات المتتالية مؤسسات تحمي ثروات مصر، كالمتاحف ودور حفظ الكتب، والمؤسسات التي تتابع الأنشطة العلمية التطبيقية، كالرصدخانة والمجمع العلمي المصري، كما عملت على رعاية المؤسسات العلمية الكبرى كالجمعية الجغرافية الخديوية. وحتى الفنون المسرحية الراقية أنشأت الحكومة المصرية لها دارا للأوبرا الخديوية.
من هنا يكمن الهدف من موضوع الدراسة، بإلقاء الضوء على جانب مهم من التاريخ المصري لم تتناوله الأقلام بالدراسة العلمية كثيراً، وهو التاريخ الثقافي في مصر، وذلك لغلبة التركيز على المسائل السياسية والاقتصادية التي مرت بها مصر، والتي لا يمكن بأية حال الانتقاص من أهمية دراستها ومحاولة تغطيتها والإلمام بكل الجوانب فيها، والتي بالطبع ساعدت كثيراً أثناء كتابة موضوع البحث. وعلى الرغم من عدم وضوح نشاط المؤسسات الثقافية في القرن التاسع عشر بشكل كبير، نظرا لأن أغلبها كان في طور التأسيس، بالإضافة إلى حال البلاد المتردية نتيجة سوء الأحوال المالية، والتدخل الأجنبي المستمر في شئونها، مما أثر تأثيرا سلبيا على معظم المؤسسات الثقافية وقتئذ. إلا أن المادة العلمية التي توفرت، وعلى الرغم من قلتها فقد أظهرت حالة ثقافية فريدة كان يلزم دراستها دراسة متأنية لإيضاح جانب مهم في التاريخ الثقافي المصري، في فترة عرف فيها المصري كيف يفكر الغرب بعد أن ترجم المئات من الكتب، وتعرف على أمجاد أجداده من خلال الاكتشافات التي تبنتها المؤسسات الأثرية