أما شيخ الإسلام ابن تيمية رأس المدرسة السلفية وحجتها فكانت نظرته مختلفة؛ إذ كان يجلُّ أئمة الصوفية ويحتج بأقوالهم ويعظم منهجهم ويشرح مفاهيمهم ويؤكد أنها على الكتاب والسنة، وحتى الشطحات لها عنده ما يبرر بعضها وما يتأول بعضها الآخر، كما أنه شرح كتاب «فتوح الغيب» للشيخ الصوفي عبد القادر الكيلاني، وكتاب «الرسالة القشيرية» وهو منهج في التصوف، ليدل على أنه يعتقد بصحة هذا المنهج، وتبعه تلميذه ابن القيم الذي شرح كتاب «منازل السائرين» لشيخ الإسلام الصوفي أبي إسماعيل الهروي، في كتابه الذي سماه «مدارج السالكين»، ما يؤكد اعتقاده صحة منهج التصوف، بل أورد المؤلف أدلة على أن ابن تيمية صوفي ينتسب إلى الطريقة القادرية، أما مآخذ ابن تيمية فكانت على من انتسبوا إلى التصوف وفهم أقوالهم أنها دعوى اتحاد أو حلول، من مثل ابن عربي أو الحلاج، أما بقية الصوفية فقد شهد بصحة نهجهم وأكد أنه سلوك وسير إلى جناب الحق عز وجل، وأنهم صدّيقون وأولياء لله. ولم تكن غاية الكتاب إثبات صحة منهج التصوف، ولا محاججة السلفية المعاصرة، وإنما كانت الغاية دعوة الطرفين (السلفية والصوفية) إلى التصالح وتصحيح النظرة إلى منهجيهما بالرجوع إلى أئمة المدرستين، على أمل أن يلتقي الطرفان فينبذوا التفرق والتشرذم وينضووا تحت لواء قوله تعالى «إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ«، وقوله تعالى: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا»، وقوله تعالى: «وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ - مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»، فيكفوا عن الانشغال بتكفير بعضهم البعض في وقت تتوحد جميع القوى المعادية للإسلام - على رغم اختلاف مناهجها ومعتقداتها - لترمي المسلمين عن قوس واحدة.
كتاب التصوف السلفي تصالح وتصحيح .. الطبعة 2 - مصطفى الزايد
الطبعة الثانية من كتاب «التصوف السلفي تصالح وتصحيح»، تأليف مصطفى الزايد، فيها تعديلات وإضافات زيادة على ما كان في الطبعة الأولى جعلتها أكثر دقة وشمولاً من الأولى. والكتاب يقوم على المقارنة بين مفهوم التصوف في نظر السلف وفي نظر أتباع السلفية المعاصرة الذين وصموه بكل المعايب من بدع وشرك حتى بلغوا تكفير أتباعه،