كتاب الجغرافيا السياسية للمياه بقلم محمد عبد السلام .. الجغرافيا السياسية هي أحد فروع الجغرافيا البشرية الذي يعنى بدراسة التفاعل المكاني بين الظواهر الجغرافية والسياسية. وتهتم بدراسة الظواهر السياسية وعلاقاتها بالمكان، فهي تحليل مكاني للظواهر السياسية. وتدرس العوامل الجغرافية (الطبيعية والبشرية) وأثرها على القرارات السياسية، وأثر الأخيرة على الظواهر الجغرافية، وتختلف الجغرافيا السياسية۔ عن الجغرافيا البشرية في أن الأخيرة تهتم بدراسة علاقة البيئة بالمجتمعات بدون أطر سیاسيه في حين تهتم الأولى بدراسة الأطر السياسية للظواهر الجغرافية. وتعتبر الجغرافيا السياسية فرعا جغرافيا هاما قائما بذاته استقر عليها الرأي بين الأكاديميين الجغرافيين وهي بذلك تشبه غيرها من فروع الجغرافيا التي تتطلب التكامل المعرفي بين المناهج العلمية والعديد من فروع المعرفة لكي تستقي في النهاية المذاق الجغرافي المميز للجغرافيا السياسية. والجغرافيا في الأساس هي علم سياسي، لكن الجغرافي أو العالم الذي يتعاطى الجغرافيا ليس هو الذي يمارس السلطة. رؤية الجغرافي للعالم، أو للبلاد التي يعيش فيها، تبدو أحيانا قريبة من رؤية الحاكم. لكن الجغرافي ليس الأمير، ولا يمكنه في أفضل الحالات إلا أن يكون أحد مستشاري الحاكم. ولا يمكن فهم وظيفة الجغرافيين، من دون طرح مشاكل السياسة ( ميشال نوفل، اعادة الاعتبار للجغرافيا، مركز الدراسات الاستراتيجية، 1993، ص 1). وتأتي أهمية الجغرافيا السياسية في كونها استطاعت أن تفسر بدقة كثيرًا من كليات وجزئيات الظاهرة السياسية في القرون الأخيرة، خاصة ما يتعلق منها بصراع الاستراتيجيات للقوى الإقليمية والدولية، والتسابق بين الدول ذات الاستراتيجيات العظمى المتنافسة على الترتيب داخل منظومة المجتمع الدولي. والجغرافية السياسية حديثة العهد نسبيا اذ ترجع نشأت هذا الفرع البداية القرن العشرين ويعتبر الجغرافي الالماني راتزل (1844-1909م) المؤسس الحقيقي له وظهرت أراؤه في كتابه الجغرافية السياسة سنة 1897 وتتميز الجغرافية السياسية بطابع العالمية والشمول بحيث اصبح بالامكان القول بوجود جغرافية سياسية للعالم اجمع كما تتميز باتساع مجالاتها لكثرة دول العالم وتعقد العلاقات الداخلية والخارجية لها. ولكن القول بحداثة هذا الفرع من الدراسة لا ينفي حقيقة ان الجغرافية السياسية قد تعاملوا مع فكرة لها جذورها القديمة ، لأن دراسة الدولة في بيئتها الطبيعية كانت تعد احد الموضوعات الفلسفية التي اهتم بها الطلاب في السياسية والتاريخ والجغرافية، حيث يعد ارسطوا من اقدم الجغرافيين السياسين، فقد طرح العديد من الافكار حول التفاعل بين سكان الدولة واقليمها كالعلاقة بين السكان والمساحة ومدى تاثير ذلك على حيوية الدولة وقوتها والاعتبارات التي تراعى عند اختيار العواصم. ولعل هذا ما اسهم في ظهور قوي للجغرافيا السياسية التطبيقية وبتعبير جمال حمدان فإنه قد حان الوقت لكي يجعل الجغرافي السياسي التخطيط السياسی جزءا طبيعيا من خبزه اليومي، وأن يتقدم إليه جادا كجزء من رسالته. وتهتم الجغرافية السياسية بالمياه سواء المالحة أو العذبة، ويرى الكثير من الدارسين والسياسيين، أن المياه سوف تكون محور الصراع القادم في منطقة الشرق الأوسط، ومن بين الجهات التي تعنى بهذا الأمر الاستخبارات الأمريكية التي لمست الخطر المائي منذ زمن عندما حددت عشر مناطق مرشحة لأن تكون مناطق صراع حول المياه، ويقف الشرق الأوسط في مقدمة هذه المناطق إذ قد تشتعل فيه حروب المياه في المستقبل القريب ، ويرجع ذلك إلى مظاهر الجفاف التي حلت بالمنطقة وتدني كمية الأمطار وتزايد أعداد السكان وبالتالي زيادة متطلباتهم المائية بالإضافة إلى اعتماد منطقة الشرق الأوسط في تلبية متطلباتها المائية على ثلاثة أنظمة مائية هي: نهر دجلة والفرات، ونهر النيل، وأنظمة نهر الأردن وروافده، بالإضافة إلى أنهار كالعاصي والليطاني، ولما كانت هذه الأنهار جميعاً أنهاراً دولية ما عدا نهر الليطاني، تستفيد منها أكثر من دولة عربية وغير عربية، فسوف يحتدم الصراع وخصوصاً وأن إسرائيل العدو الأول للعرب بدأت تلعب دوراً في هذا الصراع طمعاً في الحصول على نصيب من هذه الأنهار بالتحريض ضد الدول العربية المستفيدة من هذه الأنهار وخلق المشاكل المائية لها، ما يهدد استقرارها وأمنها كما هو الحال في سوريا والعراق ومصر والسودان، وذلك من أجل رضوخ هذه الدول لأطماعها والتغلغل في المنطقة العربية لتحقيق أطماعها التوسعية . ويأتي هذا الكتاب كأول كتاب يحمل هذا العنوان ويهتم بالأبعاد الجغرافية السياسية للمياه، ويتألف هذا الكتاب من فصلين. يتناول الفصل الأول الجغرافيا السياسية للمياه المالحة، أما الفصل الثاني فيتناولالجغرافيا السياسية للمياه العذبة. ونحن إذ نقدم للمهتمين بالجغرافية السياسية هذا الكتاب نستهدف منه التثقيف المنهجي وترويج الثقافة الجغرافية خاصة المرتبطة بالجغرافيا السياسية نظريا وتطبيقيا، ونتمنى أن يستفيد منه الجميع، ونرجو من الله الثواب. وعلى الله قصد السبيل محمد عبد السلام