كتاب الجماليات الثقافية للقصة القصيرة

كتاب الجماليات الثقافية للقصة القصيرة

تأليف : سيد محمد السيد

النوعية : الأدب

حفظ تقييم

كتاب الجماليات الثقافية للقصة القصيرة بقلم سيد محمد السيد..القصة القصيرة خطاب تنويري لأن استرايجيتها تقوم على تصوير موقف هادئ يجمع شخصياته في الظاهر خطاب واحد، وينشأ حدث داخل الموقف تتصاعد منه أحداث ليصل إلى أزمة تتشابك فيها خطابات جدلية تعد مؤشرا لكون الخطاب الاستهلالي في الموقف كان زائفا تتخفى تحته خطابات معقدة تتكتم الشخصيات عليها إلى أن تتكشف الدوافع والمخاوف والغايات الخفية في لحظة التنوير في نهاية القصة، تلك اللحظة التي تخرج فيها الأزمة من العتمة الدرامية الخانقة، فيظهر خطاب جديد كاشف لما كان يسود تحت السطح.


لحظة التنوير في القصة القصيرة خطاب ينمو بعد أن ظهرت الخلافات وتطوّرت فتحدثت الشخصيات بشفافية متحررة من ضعفها لتواجه نفسها، وربما تطوّر موقفها تجاه الآخر أو ظلّت في دائرة العلاقة بينهما بعد أن أدركت طبيعة تلك العلاقة واستطاعت أن تتقبّلها بوعي جديد وفي إطار جديد وتحت خطاب جديد. إن الشخصيات في القصة القصيرة تدخل في سياق جدلي يحدث في الأعماق وفي السطح، بالمونولوج أو الديالوج، بالحديث المباشر أو غير المباشر، فينمو خطاب يكشف زيف الموقف الاستهلالي ويتجاوز الأزمة، فإذا بالشخصيات ترى صورا أكثر عمقا لوجودها وعلاقاتها مثلما يحدث في المواقف الدرامية الصغيرة التي يواجهها البشر في حياتهم اليومية. من هذا المنظور يمكن القول إن القصة القصيرة نقد لخطاب شائع يستخلص منه قوته وضعفه ليتجاوز مرحلة ثقافية إلى مرحلة متطوّرة تنقل الذات إلى أفق آخر له خطاب مغاير ينطلق من رؤية أدركت حقيقة كانت غائبة عن الذات أو متخفّية في لاوعيها.
إن السياق النصي للقصة القصيرة نموذج لتعدد روافد الخطاب وأشكاله وأهدافه، ليس لأن كل شخصية لها صوتها ومصالحها وغاياتها فقط ولكن لأن الشخصية الواحدة تعيش حالة توتر قد تصل إلى حد الفصام، فهي تعلن موقفا واضحا ما تلبث أن تتجلى في بنيته متناقضات منبعها المفارقة بين ما تعيشه الشخصية وما تتمناه، أو ما هو متاح لها وما هو بعيد المنال بالنسبة إليها، فهناك مسافة بينها وبين اتساقها الشعوري.