لكن استغراب القارئ لا يلبث أن يزول، حين يتبين له أن المؤلف يسلم بكل ما ساد به الاعتقاد بصدد الحداثة.
ويأتي على رأس العناصر التي تشكل لب الحداثة، فعل "الإبداع"، مع العلم بأن الفعل لا يكون إبداعاً، حتى يرتقي بالإنسان درجة، أما إذا نزل به إلى رتبة دنيا، فلا يكون إبداعاً وإنما ابتداعاً، لذا، تراه يجعل من حصول الإبداع الشرط الضروري في التحقق بالحداثة، فلا يتصف بالحداثة إلا من أبدع، ويكون وصفه بها على قدر إبداعه، بل أنه يذهب إلى أبعد من هذا، فيجعل الإبداع شرطاً كافياً للتحقق بالحداثة: فحيثما وجد الإبداع، فثمة حداثة، فلو فرضنا أن هناك مقاومة ثبت إتيانها بأفعال مبدعة، لزم أن نعتبرها، سلوكاً حداثياً، حتى ولو كانت مقاومة للحداثة نفسها، إذ تكون عندئذ مقاومة لما علق بالحداثة من مظاهر أو قيم تضر بالإنسان، طلباً للخروج إلى حداثة أفضل.
فما الظن إذا كانت هذه المقاومة تتصدى للعوائق الوجودية التي تمنع الأمة من إنشاء حداثتها، كالاحتلال والهيمنة والتبعية والاستبداد واحتكار السلطة والظلم الاجتماعي! فما من شك أن المقاومة التي يكون مقصدها بالأساس هو استعادة الأمة لقدرتها على الإبداع، تحتاج إلى أن تبدع في الوسائل التي توصلها إلى تحقيق هذا المقصد، وعلى قدر إبداعها في هذه الوسائل، يكون حظ الأمة من استرجاع هذه القدرة المفقودة. (
كتاب الحداثة والمقاومة تأليف طه عبد الرحمن
💖 هل يمكنك المساهمة؟ 💖
عزيزي القارئ والقارئة من فضلك لا تتجاهل هذا. 📚 موقعنا يهدف إلى توفير مكتبة إلكترونية مفتوحة للجميع، مليئة بالكتب المجانية التي يمكن تحميلها بسهولة ودون إعلانات مزعجة. نحن نعمل بجد للحفاظ على هذا النظام، ولكننا نعتمد على التبرعات الصغيرة من مستخدمينا الكرام 🙏. إذا كان بإمكانك المساهمة، حتى بمبلغ بسيط، سيساعدنا ذلك في استمرارية الموقع وإبقائه مفتوحًا للجميع.
إذا وجدت فائدة في هذا الموقع، نرجو منك دعمنا 💡❤️."