كتاب الحركة الاسلامية هموم وقضايا

تأليف : السيد محمد حسين فضل الله

النوعية : الفكر والثقافة العامة

كتاب الحركة الاسلامية هموم وقضايا بقلم السيد محمد حسين فضل الله..الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد لا تزال الحركة الإسلامية تعيش الصراع الحادّ مع القوى الكافرة والضالّة والمستكبرة باعتبارها الحركة المنفتحة على الإسلام الحركيّ في خطّ العقيدة التوحيدية، والرساليّة المتحرّكة، والمنهج الشامل، والإنسانية الباحثة في كلّ مرحلة عن آفاق الإبداع الفكريّ والروحيّ والعمليّ من أجل أن ترتفع بالحياة إلى رحاب الله والمواجهة المتحدية التي تطلق التحدّي فكراً وحركةً وعمقاً وامتداداً، وتردّ التحدّي بمثله، فليست ردّ فعل لحركة الآخر بل هي فعلٌ في وعي الإنسان وفي قلبه وروحه وحياته كلّها.


وهكذا بدأنا نلاحظ كيف أطلق الاستكبار في الداخل والخارج الكفر الثقافيّ، والضغط الإعلاميّ، والحصار السياسيّ، والحرب الاقتصادية، من أجل أن يخنق الصحوة الإسلامية في عيون المسلمين ويعطّل مسيرة الإسلام الحركيّ بمختلف وسائله، بحيث استطاع أن يحاصرها من مواقع إسلامية ثقافية وسياسية، على أساس إطلاق المفاهيم الضبابية الغائمة في حديثه عن الرّفق والعنف، والاعتدال والتطرّف، والمثالية والواقعية، وعن السلبية في علاقة الدين بالسياسة وارتباط المسجد بالواقع.

وبدأت الحملة العدوانية المتعدّدة الجوانب والأبعاد تضغط على الحركيين من المسلمين في أكثر من بلد إسلاميّ تحت عنوان الحرب على الأصولية الإسلامية، باعتبارها حركة عنف في الوسائل والأهداف ونهجاً فكرياً وسياسياً ينطلق من إلغاء الآخر.. حتّى إنّ الديمقراطية التي يتحدّث عنها الاستكبار العالمي، والعلمانيون المثقّفون كمنهج يحترم إنسانية الإنسان كخيار وحيد للحضارة والتقدّم والإبداع، حتّى إنّ هذه الديمقراطية لا تمثّل لدى هؤلاء شيئاً إذا وصل الإسلاميون، من خلالها، إلى الثقة الشعبية الكبيرة التي تتحرّك بهم للوصول إلى حكم الإسلام، فبدأوا يتحدّثون عن الديمقراطية التي تلغي الديمقراطية باعتبار أنّ الخيار الإسلامي يرفض الحريات ويقف ضدّ التعدّدية الفكرية والسياسية، تماماً، كما لو كانت الديمقراطية مسألة إطار ومضمون، لا مجرّد إطار يفسح المجال لأيّ مضمون ينطلق به الاختيار الشعبي.

لقد بدأت الحملة ضدّ الإسلام الشعبيّ على أساس أنّ هذا الاستفتاء لا قيمة له إذا كانت نتائجه في غير مصلحة المستكبرين والعلمانيين حتّى إنّنا رأينا تحالفاً بين القوى المستكبرة والقوى العلمانية التقدّمية التي كانت شعاراتها السياسية تواجه الاستكبار، وكانت تتّهم الإسلاميين بالوقوف مع الاستكبار العالمي في حركتهم السياسية حتّى إذا وقف هؤلاء في مواجهة الاستكبار وانطلقوا في حركة المطالبة بالحرية والعدالة حسب مفهومهم الثقافي تحوّلوا إلى مواجهتهم، لأنّ المسألة أنّ هؤلاء لا يريدون الإسلام الرجعيّ ـــ كما كانوا يعتبرون ـــ ولا يريدون الإسلام المتحرّك في خطّ الحرية والعدالة، لأنّهم لا يؤمنون بالتعدّدية الفكرية والسياسية إذا كانت نتائجها الإيجابية في الدائرة الإسلامية، ويريدونها إذا كانت في دائرتهم.

إنّ الواقع الذي يعيشه الإسلام الحركيّ في مواجهة القوى العالمية المضادّة في المواقع الفكريّة والسياسيّة والأمنيّة، من خلال المعارك الجديدة المفتوحة على أكثر من جانب، والمتحرّكة مع أكثر من عاصفة ـــ يفرض علينا ـــ كإسلاميين حركيين، أن نواجه قضايا الحركة الإسلامية في تصويب حركتها، وتثبيت مواقعها، وتأصيل مفاهيمها وإثارة الحوار مع كلّ الذين يريدون الحوار في الداخل والخارج والنفاذ إلى كلّ الثغرات المفتوحة في جدار الاستكبار العالميّ والتأكيد على دلالات المصطلحات في القاموس السياسي الإعلامي لأنّ بعض المصطلحات تعني في اللغة العربية مفهوماً إيجابياً ولكنّها تعني في المصطلح الغربي مفهوماً سلبياً كما نلاحظه في كلمة الأصولية التي توحي ـــ في اللغة العربية ـــ الحركة التي تنطلق من الأصول والجذور في منطلقات الفكرة بينما توحي في المفهوم الغربي حركة العنف والإلغاء في مواجهة الآخر، ممّا لا يتناسب مع خطّ المسلمين الحركيين الذين ينطلقون من الكلمة السواء ويتحرّكون في الساحة من أجل الدفع بالتي هي أحسن، والجدال بالتي هي أحسن، وقول التي هي أحسن، والدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة والبحث عن اللقاء في مواقع الحوار حتّى يحوّلوا أعداءهم إلى أصدقاء.

إنّ على الإسلاميين أن يفكّروا في هذه المرحلة التي يواجهون فيها حرباً عالمية ثقافية وسياسية وأمنية واقتصادية أن ينطلقوا في حركة نقدٍ للذات حتّى لا يسقطوا تحت تأثير أخطائهم، وفي حركة وعي للواقع حتى لا يقعوا في خطأ الحسابات للأعداء والأصدقاء والقضايا السياسية المتحرّكة في ساحة الصراع وفي عودةٍ إلى أصالة المفاهيم الإسلامية بعيداً عن مفاهيم التخلّف والجهل التي علقت بالإسلام من خلال العصور المظلمة.

وفي ضوء ذلك، ربّما كنت أجد في هذا الكتاب حاجةً في هذه المرحلة، كما كان حاجةً في المرحلة التي كتبت فيها أبحاثه آملاً أن ينطلق الإسلام معه في عملية فكر وحوار ونقدٍ لأنّ الحركة الإسلامية تحتاج إلى أكثر من إثارة فكرية وعملية لأنّ ذلك هو الذي يكشف لها معالم الطريق، ويحدّد لها اتجاهات الريح، ويثبت لها مواقع أهدافها في المسيرة الطويلة ويمنحها الثبات في حالات الاهتزاز ويمنعها من الانحراف ويبقى معها في الخطّ المستقيم.

والله أسأل أن ينفعني به ويحرّك به بعض ما تحتاجه المسيرة من فكر ووعي وانطلاق وهو حسبنا ونعم الوكيل.

23 شوال ـــ 1413 هـــ

شارك الكتاب مع اصدقائك