كتاب الراجح في المنطق الواضح للمؤلف محمد صادق محمد الكرباسي إن من العلوم التي يندر الإهتمام بها ودراستها وتدريسها في هذه الأيام؛ غلا في نطاق ضيق، كالحوزات الدينية وبعض الجامعات، وهو علم المنطق، مع أنه علم أساسي وضروري، ولا بد من تعليمه في جميع الجامعات، ومن المدارس، وسيتضح ذلك من تعريف المنطق، وأهمية دراسته وفوائده، فقد تعددت تعريفات المنطق؛ فقيل: هو علم يدرس مبادئ الإستنتاج الصحيح، وللتمييز
بين التفكير الجيد من التفكير السيء، كما يعتبر الدراسة الحجج والإستدلال عليها، مما يساعدنا على التعليل بشكل صحيح؛ إذ إن التفكير المنطقي يعتبر وسيلة لمعرفة الحقيقة والمعتقدات الصحيحة إعتماداً على مجموعة من المعايير التي يجب إستخدامها لذلك، وقيل: هو العلم الذي ي جرس القواعد والقوانين العامة للتفكير الإنساني الصحيح. ويستخدم المنطق لمعرفة ما إذا كان الشيء صحيحاً أو خاطئاً، وقد عرّفه القدماء بأنه: آلة قانونية الذي يدرّس القواعد والقوانين العامة للتفكير والشعور الإنساني الصحيح، وسُمي علم المنطق أيضاً بعلم الميزان ومعيار العلوم، وسُميَّ بالميزان لأنه يتم وزن الحجج والبراهين، وهذا لأنه يعتبر حاكماً على جميع العلوم وأعظمها نفعّاً، إذ سمّاه أبو نصر الفارابي بـ (رئيس العلوم) لأنه يُعتبر آلة في تحصيل العلوم المختلفة، وسمّاه ابن سينا (خادم العلوم). وعليه؛ فإن علم المنطق من العلوم القديمة القيّمة إذ يعود إلى زمن فلاسفة اليونان الذين استخدموه قبل ولادة سيدنا عيسى عليه السلام بنحو 400 سنة. وقد تطور علم المنطق تطوراً جزئياً منذ أرسطو وعُرف بالمنطق الصوري، بعد ذلك أدخلت عليه العديد من التعديلات الجذرية وأصبح يسمى بـ "علم المنطق الجديد"، إذ كان أكثر شمولية ولطافة، لكن المنطق القديم لم يتم هجره ولكن قام المنطق الجديد بإضافة مزيد من الجدوى؛ لأنه يعتبر جزءاً فرعياً من شيء وأشمل، مما تقدم يمكن القول إن أهمية علم المنطق تكمن في كونه يمنح الإنسان القدرة على التفكير السليم من خلال البحث والنقد في مختلف مجالات الحياة، وتندرج أهميته فيما يلي: 1-تعتبر جميع العلوم هي نتاج التفكير الإنساني، وبما أن هذا التفكير معرّض للخطأ والصواب، فكان من الواجب الإهتداء إلى التفكير السليم ذي النتائج الصحيحة من خلال مجموعة من القواعد العامة في علم المنطق، 2-يعتبر علم المنطق الأساسي الأول لجميع المعارف البشرية، 3-يمنح علم المنطق القدرة القدرة على نقد بعض الأفكار والنظريات العلمية، ومعرفة أنواع الخطأ وأسبابه، 4-يمنح القدرة على التمييز بين المناهج العلمية السليمة من أجل التوصيل إلى نتائج مهمة. هذا ومساهمة منه في لفت الأنظار إلى علم المنطق؛ والذي إضافة إلى ما تقدم أعلاه هو يساهم في فهم علوم الشريعة، كعلم أصول الفقه وغيره؛ لأنه السبيل لتقرير الدلائل والحجج والبراهين على وجوهها. من هذا المنطلق، يأتي هذا العمل الذي يتمثل في شرح آية الله الشيخ محمد صادق الكرباسي لكتاب المنطق الواضح (الكبرى في المنطق) لمحمد بن علي المعروف بالشريف الحسني الجرجاني، وذلك بعد أن قام مسبقاً بتعريبه من اللغة الفارسية أيام دراسته الأولى والذي وسمه بـ (الراجح بالمنطق الواضح) وهو شرح تفصيلي توضيحي مع مخططات ملحقة بكل فصل من فصوله، زيادة في التوضيح والتقريب. وأخيراً، لا بد من ترجمة مختصرة لمؤلف كتاب "الكبرى في المنطق" الذي تم تعريبه باسم "المنطق الواضح"، ثم شرحه الذي جاء عنوان "الراجح في المنطق الواضح"، هو أحد أعلام القرنين الثامن والتاسع عشر الهجريين، هو علي بن محمد بن علي المعروف بالشريف الحسني الجرجاني المكنى بأبي الحسن، وإنما لُقِّب بالشريف لأن نسبه يصل إلى الإمام الحسن بن علي المجتبى عليه السلام. وكان الجرجاني حنفي المذهب، أصله من استراباد، نبغ منذ أن كان عمره عشرين سنة، ولد في جرجان سنة 740هـ / 1340م في قرية تاكو قرب مدينة استراباد الإيرانية ونشأ فيها، درس في شيراز، ولما دخل تيمورلنك المغولي في سنة 789هـ / 1387م فرّ إلى سمرقند، ثم ليعود بعدها إلى شيراز، وذلك بعد موت تيمورلنك، فأقام فيها إلى أن توفاه الله سنة 816هـ. كان الجرجاني ضليعاً بعدد من العلوم، منها الفلك، الفقه، الأصول، الفلسفة، اللغة، النحو، الصرف، المنطق، البلاغة، الدراية، التفسير، الحكمة، تجاوزت مؤلفاته السبعين، وقد بلغت قرابة مائة كتاب، حرر بعضها بالعربية والبعض الآخر بالفارسية، وقد تنوعت مواضيعها بحيث شملت علم المنطق والفقه، والتفسير، واللغة، والبلاغة، والنحو والصرف، والعقائد، والمنطق والرياضيات، والهندسة... إلخ.