كتاب السحر والطب في الحضارات القديمة بقلم أسامة عدنان يحيى .. شكلت الظاهرة الدينية ميدانا خصبا للدارسين والباحثين على مختلف تخصصاتهم العلمية، من آثاريين، وقارئي الخطوط القديمة، والانثروبولوجيين وعلماء النفس، ولكن لم يسهم المؤرخين إلا بمقدار ضئيل من ذلك، أولئك المؤرخين الذي يمكن لهم ان ينجحوا في رسم صور جيدة، وعقد مقارنات مضبوطة نظرا لما تتوفر لديهم من مادة أولية غزيرة يمكن الاستفادة منها. إن هذه الدراسة ليست بحثا في تاريخ الأديان، بل لن ندعي إنها تسعى لدراسة مفهوم السحر وجوانبه الواسعة، والمتشابكة، والغامضة، وبقوانينه غير الخاضعة للمنطق، إنما ستقتصر على جانب واحد من الاعتقادات السحرية التي سادت في الحضارات القديمة، وهو السحر وعلاقته بالطب. ولما كانت هذه الدراسة تهدف لدراسة هذا النوع من السحر كان لابد من دراسة مستفيضة لمفهوم المرض لدى المجتمعات القديمة لكي نفهم لماذا استخدم السحر في العلاج. يشكل موضوع السحر والطب واحد من أهم القضايا الفكرية التي نكاد نلمسها في ثنايا دراستنا للمجتمعات القديمة، فمنذ عصور سحيقة شكل المرض مفهوما غريبا عند الجماعات البشرية، ففي الوقت الذي كانت فيه تلك الجماعات تستطيع ان تفهم بشكل أكيد، الجروح الناتجة من المخاطر التي يتعرض لها الإنسان من جراء صراعه مع بني جنسه أو مع الحيوانات الضارية التي تحيط به، شكل مفهوم المرض بعدا خاصا في مسيرة تأملاته الفكرية، فوقوع شخصا ما في الجماعة البشرية التي عاشت في عصور ما قبل التاريخ السحيقة، أسير المرض ثم الموت جعلت الإنسان يفكر بان هناك أسبابا وراء تحول الإنسان الممتلئ صحة إلى مجرد كائن ضعيف، لا يلبث ان يسلم الروح ليتحول إلى جثة هامدة، ولو تمكنا من تخيل أول جماعة بشرية واجهت محنة الموت لأدركنا مدى الصدمة النفسية التي تعرض لها المجتمع البشري.